هواجس آمام العاصفة


هواجس آمام العاصفة



تئـد خطوة في قلب عتبة الباب.. وتبعث في أخرى الحياة.. عيون غارقة تتقلب في السماء الكئيبة.. قلب مضطرب وأحاسيس تخاف المستقبل المجهول.. همها كان وليد البارحة.. فاستشرى هذا الصباح لقربه.. تمتمت:«زفني أيها الأمل المرتجى.. وألبسني ثوب العرس.. زفني فلليل نسيم هواه الصدى.. وللعمر رحيل تناساه الفؤاد.. كم شفة رددت أنغام الثرى؟.. كم وجنة ألثمها الدهر احمـراراً باللطمات؟.. زفني بعزم وحطم قيود الإرادة.. ».. وبخطوات حثيثة مشت في الشارع الطويل.. حيـث العاصفة القوية يعانقها رذاذ مطر أسترق الكثير من هدأة عباءتها.. أفسد ألوان لوحتها الرائعة.. لاتدري كيف واتت الفرصة لتجمع هذه العوامل دفعة واحدة لمقابلة هذا الصبح بالذات؟!.. وقفت تحتمي تحت مظلة موقف الحافلة.. أودعت حقيبتها الكرسي.. نفضت ثيابها.. استرقت نظرة إلى الساعة.. اختالت الكلمات في خاطرهـا:« مازال الوقت مبكراً.. الحافلة لا تأتي في وقت محدد »… تأففت:« الحياة كلها بذل جهود وصبرنا محدود».. قوة تدفعها نحو الجلوس تقابلها برفض أقوى.. الكرسي الحديدي متسخ جداً.. تحتد العاصفة درجة إثر درجة.. تتطاير أوراق الشجر المنثورة والمرفوضة.. يتلاعب معها الرمل.. ترتجف أعمدة إنارة الشارع وأعمدة الأسلاك الكهربائية الخشبية.. تعتلي أصوات من هنا وهناك.. الأوراق الممزقة، وعلب المشروبات الخفيفة المتدحرجة، والحصيات الصغيرة المتطايرة في الهواء.. ترعبها كلما ارتطم بعضها بجانب المظلة الحديـدية.. أو وقـع منها شيء أمامها فجأة.. تصد بوجهها عن العاصفة.. تقي عينيها.. ترتب هندامها.. تتمتم بوجه عبوس:« لكم أود ألا أذهب للكلية هذا اليوم؟..».. هزت رأسها يمنة ويسره:«لكن حكم القوي على الضعيف..».. الجو يزداد سوءاً.. بمفردها تقف هناك.. بالكاد تتعرف على الأشياء.. يزداد خوفها.. ترتعد فرائصها.. تضطرب.. تتوتر .. ينبري نـور سيارة واهن لم تميزها.. ترتسم على صفحات وجهها المتشح بالغبار ابتسامة واهنة:« الحمد لله.. أخيراً أتت الحافلة..».. اقتربت السيارة بسرعة.. وقفت محدثة صوتاً مزعجاً:«أووووف.. إنا لله.. إنه أبن الجيران هذا الشاب المشاكس.. بسيارته الحمراء الصغيرة المشبوهة».. أصلح مافسد من شخصيته.. فتـح زجاج باب اليمين لسيارته.. وبصوت رقيق يصل إليها:« هي.. أنت.. ياحلوة..».. أشاحت بوجهها عـنه.. أومأ إليها بكامل يده:«عطيني وجه.. لا تخافي.. ثقي بي..».. الغبار حشي فمه.. انتابه سعال حاد.. فالتثم شماغه الأحمر.. كرر نداءه:« تعالي.. غبار العاصفة شديـد.. لن تتحمليه..».. لم تنبس ببنت شفه.. حاول استمالتها بكلماته الجريئة وهو قابع في سيارته.. لحظات يأس من ذهابه أو مجيء الحافلة المدرسية الصفراء.. تمتمت في نفسها متجهمة:«ولد جرئ كجرأة العاصفة.. يطاردني كما يطاردني المجهول.. لا يأبه أحداً كالقدر.. يتحين الفرص كسمك القرش.. يصطاد في المياه العكرة..».. تناولت حقيبتها وهي مازالت تتمتم: «للأسف.. لم تخلصني منه شكوى..».. ثبتت عباءتها السوداء بيديها جيداً: « لن أكلمه .. لـن أكـون فريسة سهلة لهذا المستهتر.. ولن أذهب للكلية اليوم.. وليكن من أمر الاختبار ما يكن..».. شهقت شهقة كليلة تحاول إخفاءها.. خنقتها العبرة.. توجهت نحو الطريق الطويلة لتعيدها لمنـزلها باتجاه العاصفة.. وهو لم يزل واقفاً يرقبها بـ .. !! .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق