الرسالة (7)


الرسالة (7)

دلل بقرتك بـ... !!



بقلم / عبدالله النصر







مرحبا مونيتا..

أقبلي مع رسالتي الهدية المرفقة ( عقد ذهبي).

أدللك.. أرأيت كيف؟

لا تسأليني لماذا؟

لأني سأسألك: إلى أي مدى تتوقين إلى الدلال؟

أكثر الموجودات الآن تتوق إليه..

ما لم تدلِل لن تحوز منشوداً!!

للعاقل ولغير العاقل!

ففي الإعلان التجاري المتلفز (دلل بقرتك بـ...) لتحصل على أفضل (....) منها!!

ربما هذا تعبير عن الواقع.



لنترك هذا مؤقتا عزيزتي لأسألك: بعد ستة شهور من انقطاع تواصلنا وخاصة انقطاع الرسائل التي تدفئنا وتخبرنا عن بعض.. ما مدى قدرة وفعل هذا الأمر خلال هذه المدة على متحابين، أو لنقل حالمين بالوصال، في مكانين قصيين.. مختلفين في طبيعتهما الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. وفي التقاليد والعادات.. الخ؟..



ستة شهور تنقضي.. ثم تأتي رسالتك!.

آآآآآآه.. يالها من رسالة!!.. من العيار الثقيل جداً.. أزعجتني تماماً.. أربكتني.. لكن لن أناقشها معك.. لن أروي لك حكاية انفعالي تجاهها.. ولن أمزقها.. لن أرميها في وجه ما.. لن ولن ولن..



ليس لأني لا أكترث لكل حرف عرى بعضكِ فيها.. وليس لأن قلبي أصبح حجراً.. ولا لأني لا أملك الغيرة، أو أنني لا أحمل مبادئ ديني وبعض تقاليد بلدي وأود تطبيقها عليك.. لا.. ثم لا.. ثم لا..



في سحر نادمني إحساسي ذات انعتاق صادق مع الذات بأنك ربما ستكوني لآخر..

آخر، تخيلي!..

ومن نوع آخر!

على الأقل يكون منقوشاً بنحو مغر في الوجه الآخر للعملة التي أنت في وجهها الأول باسمة، وبدأتْ حياتك تتغير من أجلها، وتبعاً لها!!



هاك يامنى عقداً من الذهب.. ربما ستتوالى بعدها مثل هذه الهدايا القيمة!!

بعد أن نبت الآن الشعر الأبيض في فوديّ وأسفل ذقني.. بدأت فقط أمارس شيئاً واحداً هو الدلال.. أدلل فقط..



أنا أرى بأن هذه ضرورة، وإن كنا مجبورون عليها..

من أجل الحياة..

من أجل أن تستمر علاقة ما.



تعرفتُ مؤخراً على الصحفي/ خالد شمس.. فبعد أن تكرست علاقتنا، وعلم بوضعي، أبدى ألمه بشكل عمود في إحدى الصحائف اليومية.. ثم أبدى مساعدته لي ، قال بأنه يعرف تماماً رئيس تحرير الصحيفة التي يعمل بها هو وبينهما فحوى (ميانة) صلبة.. وبصرف النظر عن ذلك، إلا أنه مثقف ومنفتح إلى حد كبير!.. سيتفهم وضعي وربما سيجد لي عملاً مناسباً في الصحيفة..



مر أسبوع ثقيل مُر على غياب خالد.. لم أره، لم أسمع أخباره.. قلت: ليته لم يبد لي مساعدته، كي لا يكون في موضع حرج معي أو معي غيري، ويغيب.. كنت سأهاتفه، لكن قلت لنفسي: ربما لو هاتفته، سيتبادر في ذهنه بأني لم أسأل عنه إلا من أجل الوظيفة!



في الأسبوع التالي جاءني يحمل وجهاً كأنه إعلان رائع الجمال عن منتج لا يطمئن له.. قال: لقد وافق الرئيس على أن تعمل بالصحيفة، ولكن بوظيفة ليست لها علاقة بهواياتك أو نشاطاتك السابقة، ستعمل بوظيفة مشرف صيانة.. صمت قليلا، ثم أردف قائلاً بعد اعتذار كرهت طريقته: لكن الرئيس طلب شرطاً واحداً بعد أن علم بحالتك المالية الصعبة.. هو أن تخصص راتبك الأول والثاني له، ثم تستمر ولمدة سنه في إعطائه ثلث الراتب.. وليكن هذا بنحو سري للغاية!



لم أضحك إلا في داخلي.. ولم أتألم لهذا، لأنه لم يأتِ لي بالجديد.. لكنني لم أتوقع يوماً بأنني أنا من يقوم بدلال البقرة!..



للضرورة.. وافقت على هذا العرض.. تعلمين بأني لا أجيد أن أكون عالة صرفة على إنسان ما.. ثم أنني وجدت ذلك طريقاً يساعدني للاقتراب منك.. لا زلت أحلم كمن يشتري السمك في البحر، مع أنك قلت بأنك لن تكوني إلا لشاعر.. فأي نوع من الشعراء تريدين، ترى؟.



ذهبت لرئيس الصحيفة، ووقعت عقد عمل داخلي( ضعي خطين تحت داخلي.. وأترك لك الفهم).. وكان الراتب مجزياً.



لابأس، الآن فقط عزيزتي.. أنا عملت لمدة شهرين بجهد مضاعف، وأتغذى على العفن مع الخبز.. وأدلل بقرتي بالعسل بجدية..



ما أريدك أن تندهشي منه جداً ليس هذا، بل في نهاية الأسبوع، اكتشفت بأن ما أدفعه من دمي ثمناً للدلال لايشمل فقط رئيس الصحيفة، بل الصحفي/ خالد!



وما كانت ردة فعلي إلا أن أحفز نفسي على الاستمرار في الدلال بدم بارد ساذج، وأصرخ في داخلي: تبا لحياة أنجبت بعضاً من أشباه الرجال!.. نبكي على أنقاضنا.. أنقاض رجال ضحكوا منهم باقي الرجال.. ألا يكفينا ذلا أن هذا الحطام يصنعنا.. ويقتلنا... برضانا!!!!



آآآآآه.. منى.. كان بودي أن يكون هذا كسكين تسلط لقتلك من الداخل، كالسكين التي بها قطعت أوتاري.. لتكون ردة فعلك قوية قادرة على الفتك بهم وعلى أن تتساءلي معي: هل تباع الكرامة.. لنشتريها للبعض؟؟



عبارة قالها أحد الشعراء الفرنسيين الذين شاركوا في ثورة أيار 1968: كنا نريد أن نغيّر العالم، فغيّرنا العالم".

تغيرنا وتغير كل شيء فينا..

تغيرت رسائلنا وأحلامنا وأهدافنا!!

مدهش هذا التغيير السريع، أليس كذلك؟؟



بدوري أعيد لك السؤال: هل الآن نرى الأشياء بإحساس واحد!!



الآن أود أن أُحفر وجهي على كل أدوات الصيانة فقط.. لم؟.. لا أدري!



وربما لأني أصبحت كالمعاق مثابراً مقابل نبرة الرثاء، مع أني كنتُ أشعر بأن في داخلي على الدوام دائما محاولة لاستعادة العالم المهدم عبر الخيال، أو ترميمه بالأماني على الأقل، حيث تشتعل الحواس وتستفز... فبهذا الإنعتاق الحسي أتصور بأن أهرب أنا بخيالي من بؤس الواقع إلى نعومة الأحلام..!!



يقال: أن في اللغة الإنجليزية لا يجتمع حرفين صوتيين إلا في شواذ يخترعها قلة.

مامدى صدق هذا القول لو طبق علينا، منى؟



دمت حلماً يستحق الموت من أجله.














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق