القَــــرش





القَــــرش







فوق النخيل المتسخة بالغبار، الشمس تسحب أذيالها بهدوء.. بهـدوء (صالح ) ينسل من نصبه.. اثنتا عشرة ساعة التحفت بالجور.. بالجور قد شرب عرقه.. شرب العرق بقرش واحد.. قرش واحد قد احتل مكاناً في المحفظة.. المحفظة المهترئة احتضنت القرش بقوة، ثم رقدت في جيب صالح.. الجيب المؤطر بالإبر..



(صالح ) يفتح محفظته.. لا تفتح بوجهيها وأربعة الجيوب.. ترتمي ظامئة في قلبه.. جففت سحنته السمراء.. القرش قد ضاع ( ربما الزقاق احتضنه!!.. لا.. لا لم يحتضنه الزقـاق.. بل الرمل المملح قد أخفاه !! .. لكن الرمل لم يره أيضاً.. لسان المحفظة مدلوع.. الوجه ممتقع.. الثوب تمزقه المحفظة.. خروج.. دخول.. ثوب أكل الغبار.. الغبار قد أكل الأثواب منذ عشرين سنة..



قريته الطينية، وهي تحتضن النخيل.. نخيل محاط بالبرسيم.. الزقاق والرمل، هاجدان في لوعة.. بالصمت يحتكمان إلى القضاة ( لم نسرق.. لم نسرق.. لم نسرق..).. خواء في البطن.. يشكو أواراً يَتَهم بالسرقة محفظة بها عدة جيوب.. القرش قد ضاع فيها هنا.. بل ضاع هناك.. الخباز يطالب (صالح ) بالقرش.. بقيمة رغيفه الواحد.. لا يقبل التوسل.. بل قرش.. بل قرش.. بل قرش.



جور النهار قد عاد.. عاد بنصب ( صالح ) المعهود.. بجسمه المنهار.. ببطنه الخاوي بألمه.. وبألم يسرق الخبز.. والخباز يحمل أقدامه نحو الخبز المسروق.. نحو صاحب القرش المسروق.. بلله لكمات بقيمة الخبز.. الخبز قيمته قرشٌ.. القرش الذي في المحفظة، الذي لم يسرقه الجيب.. ولا الزقاق.. ولا الرمل.. ولا الشمس.. ولا الأيام.. ولا الناس..



الأعضاء بعد تكسرها على الرمل المملح في القرية.. دمغت معها الخبز.. فأبكت البطن.. المحفظة التي افتقدها (صالح ) أخفاها الزقاق في خاصرته.. خاصرته التي سرق منها المحفظة سارق الليل.. السارق الذي ضغطها.. عصرها.. كسرها.. مزقها بأصابع الظمأ في الليل الساطي بالارتعاش.. بالخوف.. بالجور.. وبالجور قد نطقت المحفظة لدى السارق بـ: ( هاك القرش.. هاك القرش أيها الرمل!!.. لا السارق.. لا الخباز.. لا صالح..).


هناك تعليق واحد: