توبة ... رحيل واع ... خيبة ... وفاء...


تَــــــوْبة





تتساقط كسنين العمر.. واحدة إثر أخرى.. تلكم النوافذ البيضاء في حياة الظلمة.. بيد أنها وحيدة تلك النافذة لم يفتأ ذلك النور يشع من خلالها وهي بسـياج أسود، يختفي من ورائها أسير لبّه الشارد يرجو التخلص من عوالقه الشقية.. يحيك ـ بعيـون غرقى ـ بين خلايا دماغه خيوط تعويض أربعـين ربيعاً مهدرة.. وما أن شعر ـ وقت انسلال نور الصبح من تلك النافذة ـ بأنه سيتخلص من غرقه بقشة واهنة تطفو فوق البحر.. إلا وشق ـ بعجلة ـ منهجه القديم يلبي مأرب صديق عمره الشيطاني عندما طرق أول طرقة على بابه!!.






رحيل واع



تمتازُ ببهاءِ عينيها العسليتين، ورائحةُ الحبَقِ، بلْ مشرقةٍ كالشمسِ في رائِعَةِ الضحى.. بطريقةٍ مدهشةٍ عذبةٍ التفتْ على مكنوني.. كادتَ تأكلني بنظراتها الطالبة.. وشَّحَتْ صدرَها بشوقٍ ملتهبٍ فكنتُ بين ذراعيها طفلاً.. تشرّعُ الأبوابَ، وتمسحُ الشوارع، وتغسلُ الأرصفةَ بالمطر.. قلبتني حرفاً حرفاً.. معنىً معنىً.. وأُفُقُها المُقرمَد ممتدٌ إلى غايةِ الوجود.. حطتْ في حديقتي الغناءَ عاريةً من جسدها.. حملتها بإيماني على فراشي الوثير، فتغنجتْ فوق صدري.. وانطلقتْ طاووساً تمتصُ كلَّ وعي.











خيبـــة



غاب سبعين سنة مع أولئك الذين يعربدون في طرقات الاختصار والخلق المسكر.. كنبيذ فرنسي في قدح من كرستال عاقرهم دون مواربة.. تبنى.. اهتم.. تعصب ودافع باستماتة.



كان كلما صرخت معدته النهمة، جاد عليها من ألوان الأطباق الشهية، وملأها من التشكيلات المتنوعة.. من مطبخه في البيت.. من كل مطاعم وبوفيهات الدنيا.. يأكل بإفراط حتى التجشؤ. ثم يتنهد أمام المصلين مرات عديدة فيربكهم.. يحاول تغيير مسار عبادتهم ناحية مايريده البار الذي يجلس فيه قائلاً:(إنه الأفضل )، وهم يتمنعون.

كرر معهم هذا الفعال، فرآهم رافعين الفؤوس والأخشاب يصوّبونها نحو رأسه الخالي من غطائه الأسود، يرددون: (غامض أنت).. عندها تلاشى مافي رأسه رهبة.. سقط حرفاً حرفاً.











وفـــــــــاء



تحول الحاسوبُ في يدهِ إلى زجاجةِ نبيذٍ فاخرٍ يأخذُ به إلى مساراتٍ عشوائيةٍ مشرِّدةٍ منه.. يشحنُ نفسهُ طاقةً كبيرةً ويستغلها في الأفعال بأقصى مايمكن.. زوجهُ _ كما في كلِّ يومٍ - في الزاويةِ السوداءَ من بيتهِ الميتِ تأكلُ أظافرها، وطفلاهُ في صمتٍ قاهرٍ يتعلقانِ بأثوابِ أمهما.. جارهُ يلتصقُ بالجدارِ حالمَا يراه.. يحوقلُ الجارُ كلما تزحلقَ على سلمِ العمارة بكلماتٍ منفِّرةٍ وحين يصفع البابَ في وجههِ.. الباعةُ والواقفون والمتجولون والسائقون والمطلون من النوافذِ والأبواب، وكلُّ الأماكن تتجنبُ رائحته المقيئة..

عندما يصحو، يشعر بذلك.. يأخذُ مكاناً فسيحاً فيصرخُ بأعلى صوته: لِمَ يفعلُ ذلك؟. فيقطع عهداً على نفسهِ بعدمِ العود.

عندما يَقْفِلُ راجعاً إلى بيته.. يشمَّرُ عن ساعديهِ، ويفتحُ الحاسوبَ ويغرق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق