لقاء على صفحات جريدة الرياض










لقاء على صفحات جريدة الرياض

ثقافة وفنون

جريدة الرياض - الاثنين 08 رمضان 1424العدد 12918 السنة 39



القاص النصر لثقافة اليوم : نصوصي تسعى لاستثمار الألم لأنه أصل كل إبداع

حوار - يحيى الأمير:

ملتصق بالنص حد البحث عن الشبه.. ذلك عبدالله النصر حين يكتب "بعث في خلايا مستقبلية" تلك هي مجموعته القصصية التي صدرت مؤخراً متضمنة طائفة من النصوص التي تمثل التاريخ الكتابي لتجربة النصر.. بعد أن قدم حضوراً منبرياً وإعلامياً من خلال مشاركاته المتعددة وفوزه بالعديد من الجوائز وحضوره في دوائر النشر الالكتروني.. يقدم عبدالله النصر هذه المجموعة كبيان مثبت لجزء مهم وفاعل في تجربته.

حوت المجموعة النصوص: للامس رائحة حمقاء، القرش، عزوف، صعاليك، ذات العباءة البيضاء، انتجاع على ضفاف القوارير، جمر يتنفس النار، بناء على واجهة السقوط، رقصة الموت، امرأة تعانق الألق، شارب الوحل، استقالة عاجلة، أبجديات آدمي، الصفعة، الفاصلة، وأخيراً احترقت التجاعيد، وكان الموت مطلباً، الموت بعامل التعرية، بلل بلا ماء.

في قراءة هذه المجموعة تستحثك أسئلة ومحاور تسعى بك لاستنطاق واكتشاف بعض خلفيات الكتابة عند عبدالله النصر.. خاصة تلك القيم الفنية والمضمونية.

حول نقاط وإشكالات تثيرها النصوص.. خرج هذا الحوار الرشيق مع القاص عبدالله النصر:



1- هل استعطت تحويل النص إلى ملامح تشبهك.. قبل واثناء كتابة كل نص؟



ج/ من غير شك، حيث أن النص روح كاتبه الماثلة جسداً على سطوره. والكاتب ما هو إلا حروف - تتمثل في مشاعره ورآه - منصهرة في حيثيات النص. قد يكون النص مرآة تعكس ملامحي، وقد تكون ملامح كائن حي آخر تشبه ملامحه ملامحي إلى درجة كبيرة، استبطنتها ذاتي وتمثلتها قبل ارتكاب معصية الكتابة بزمن اختمر فيه. ولذا اعتقد أن النصوص فيها قدر كبير من هذا الشبه. ومن هنا كنت آمل بها أن تحول القارئ بعد قراءاتها إلى شيء يشبهني إن لم يكن كذلك قبل قراءتها.



2- (للأمس رائحة حمقاء) نص يقوم على تقنية النص الدائرة الذي يتمثل مفتاحة في خيط يبدأ ليدور ثم ينتهي.. كيف ترى إلى هذه التقنية وفعاليتها في ابتكار نص قصصي؟



ج/ تقنية الدائرة إحدى التقنيات المعتمدة في إنتاج نصوص القصة القصيرة. هذه التقنية الدائرية تتيح للكاتب أن ينتقل على بساط الزمن من لحظة الحدوث إلى ما مضى ليدجج تلك اللحظة بما يشعلها ويهبها قيمة وبعداً حقيقياً. ثم يعود الكاتب من رحلة النص منتهياً بنقطة البداية حيث لم يزل الحدث قائماً بكل مشكلاته وأبعاده هذه الحركة في صعودها أو هبوطها الزمني من شأنها أن تخلق في جو النص إثارة، فضلا عن إنها عامل جذب للمتلقي.





3- يلحظ القارئ أن اللغة في معظم النصوص لا تزال تتحرك داخل دائرة العادي أو الوصفي.. كيف ترى ذلك؟



ج/ بما أن الفكرة هي حجر الأساس والبنية الأولى التي يقوم على كاهلها هيكل النص، لذا هي روح العمل الأدبي. وما اللغة غير أداة لترجمة أبعاد الفكرة. فإذا ما اختمرت الفكرة وبلغت قمة النضوج أتت اللغة التي تتلبس بها بسيطة انسيابية غير متكلفة حتى تستطيع أن تخاطب أكبر شريحة من القراء.. تخاطب البسطاء قبل المثقفين، وتقترب من نفوس المبتدئين قبل أن تثير المتمكنين وذوي الخبرات الأدبية. أضف إلى أن أي نص ظهر بسيطاً من حيث استخدام الوصف أو اللفظ،.. هو يذهب إلى أبعد من هذا الإطار الظاهري له، وما على القارئ إلا سؤال نفسه دائماً: لماذا جاء الكاتب بهذه اللفظة، أو هذا الوصف، وماذا يريد أن يحقق؟.





4- هل يحرص عبدالله النصر في نصوصه على الاقتراب من القارئ على حساب جدية النص وعمقه؟



ج/ هو أمر ما بين أمرين، فالإغراق في الغموض أو الرمز، والمبالغة في إبراز العضلات اللغوية والأدبية حري بخلق التعقيد في أجواء النص وتساعد على عدم فهم القارئ واستفادته، كما يدفعه إلى الملل وبالتالي ابتعاده عن متابعة قراءة النص حتى النهاية. أما السطحية المفرطة، والأساليب السوقية من شأنها أن تقتل النص وتقلل مستوى الفكرة، فيظهر النص عندئذ مترهلاً سطحياً.

ونصوصي كما أراها لا تحمل تلك السمات، بل تنشأ قوتها في العمق الورائي لها الذي يؤجج الشعور ويحقق منال الكاتب، لا الشكل أو الصورة الظاهرية.





5- في نص ك (عزوف) أيهما أقرب إليك نصوصيته المطلقة أم كونه نصا قصصيا؟



ج/ أجدني اقرب إلى كونه نصاً قصصياً. حيث لا يمكن أن أتجرأ على إقحام نص ما بين القصص سواء في مجموعتي أو في أي مكان آخر، وادعي بقصصيته إلا لكونه كذلك. فهو يمتلك أدوات القصة القصيرة بكاملها على الأقل، وربما حقق الفائدة المرجوة أن أقدم القارئ على التمعن فيه بجدية.





6- القصة الخارجة من موقف.. غالبا تخرج عن تقليديتها حينما تتولى اللغة توليف الموقف وتشعباته.. كيف ترى هذه في نصوص مثل (صعاليك) مثلا؟



ج/ الموقف ما هو إلا تجربة حقيقية معاشة تمد الكاتب بأحداث ومفارقات قد يعجز الخيال أحيانا التدخل في رسمها وتجسيدها أو التدخل فيها.. فالموقف الحقيقي يجعل القصة أكثر صدقاً، ويجعل الصور أكثر مصداقية، ويمدنا بأدق التفاصيل التي تثري الوصف وتساعد على رسم الصور في مخيلة القارئ، وتجعله يعيش ويتلبس الحدث، بل تجده ينفعل مع كل انفعال ويتخذ موقفاً أو حكماً سريعاً تجاه الموقف والشخوص، فضلاً عن انه يقرر أبعاده التي غالباً ما يكون الموقف يخلقها بألفاظه في ذات القارئ من خلال المصداقية دون إن يذكرها الكاتب مباشرة.







7- النصوص العادية التي لا تقدم قصة ولا لغة ولا حراكا سرديا مثل: انتجاع على ضفاف امرأة.. ما مدى شرعية تجنيسها كقصة قصيرة.. ثانيا: كيف ترى فعالية مثل هذه النصوص وحضورها في تجربتك؟



ج/ قد تتداخل الأجناس الأدبية وتندك بعضها في بعض أثناء الكتابة، فينتج عن مخاض الكاتب مولوداً هلامياً مزدوجاً، يتذبذب بين القصة والقصيدة النثرية أو حتى الخاطرة ويصعب تصنيفه تحت اسم احدها.. (جنين أدبي مختلط).. والقارئ الذي لم يتعرف على القصة وحيثياتها جيداً، فإنه تشتبه عليه جنسية النص، ولذا عليه أن يعود أيضاً للتدقيق فيه وتجنيسه بعد المعرفة.

وما نص (انتجاع على ضفاف امرأة) إلا نص وقع في هذا الخلط أو الاشتباه الذي عادة ما يقع فيه القارئ. وان كان ذلك ما وقع فيه الكاتب.. فإنه يظل في حدود مساحة التجربة المتاحة له كغيره من النصوص. مع علمنا بأن القصة القصيرة كفن لا توجد نظرية تحددها بوجه دقيق. وأنا ما أزال في بداياتي الكتابية، والتجريب مشروع لي حتى أجد البناء القصصي المكتمل وان تعدد فشلي، لتبقى هناك محاولات للوصول إلى الشكل النموذجي للقصة.



8- عبدالله النصر.. كتابتك تسعى لاستثمار الألم الإنساني وإشاعته داخل نصوصك.. كيف ترى ذلك؟



ج/ كان لاستثمار الألم الإنساني إشعاعات مبثوثة في قلوب النصوص.. لأنني اعتقد بأن الألم هو مصدر كل خلق.. فإذا ما وجد الألم يوجد خلق، وهذا ينطبق على كل الفنون. ولذا أرى الألم بأنه المحفز القوي والباعث النشيط للإبداع والجذب.. كما انه يحرك كوامن النفس وجوارح الجسد أيضاً، وليهب وجدان الكاتب ويغريه فيملأ بياض الأوراق بكل ما يختلج في صدره.. فضلاً عن انه يلمس هموم الناس من الداخل ويتحدث بلسان حالهم، ويفضي بما يدور في وجدانهم.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق