خذوا بيدي..









خذوا بيدي..





ـ كاتب أنا.. أتيقن الآن بعدم قدرتي على الإمداد.. لست بتلك الروح الشبابية!!

ـ فكر في الاعتزال، إذن.

ـ ها!!.. إنها فكرة قاسية.. واتخاذ القرار فيها ما أصعبه!.

ـ لكن لماذا لا تفكر بأنها قد تكون وسيلتك الوحيدة والفضلى للاحتفاظ بتاريخك العريق.. الاحتفاظ بمكانتك وبنظرة الآخرين لك، وكي لا تبقى إلا أعمالك العظيمة فقط؟

ـ بل سأستمر في الكتابة.

ـ قد تقع في سقطة تدمر كل ما حققته طوال سنواتك الكثيرة من العمل؟.. فالإفراط، قد يصل بك إلى تكرار نفسك، أو ينحو بك إلى كتابة الكلام الفارغ، أو تأخذ كتاباتك منحى هابطاً.

ـ وإن استمررت من أجل بقاء شهرتي ولرؤية اسمي مطبوعا!.

ـ ستكون كمن لا يؤمن بقضايا حقيقية.. ستتسم كتاباتك بالهشاشة.. تستمر في الكتابة رغم أنه ليس لديك شيء حقيقي تقدمه، لن تكون من النوع الآخر الصادق، الذي يؤثر الصمت إذا لم يكن لديه ما يقوله، لأنه يرى أن هذا أفضل له حتى لا يتدنى في إبداعه، فالعبرة ليست بالكم ولكن بالكيف، فهناك مثلاً شعراء مقلون في الأدب العربي إلا أن الأجيال تذكرهم مثل طرفة بن العبد الذي مات في سن السادسة والعشرين.. الصمت أفضل للكاتب الذي لا يجد ما يقوله حتى تفاجئه اللحظة الإبداعية من جديد.

ـ إذا كنتُ سأتسم بذلك.. سأتوقف. لكنك أنت أكبر مني سناً، وها أنت مستمر في الكتابة.. ما السر في ذلك؟

ـ امتلاك الموهبة.. فالموهبة الحقيقية لا يمكن أن تتوقف عن النمو، وبالتالي لا يمكن أن تكف عن العطاء.

ـ وهل الموهبة تكفي؟

ـ بالطبع لا، فالبعض يرى أن الكاتب ألا ينعزل عن معايشة الحياة، إذ أن نهر إبداع الكاتب الموهوب لابد له من منابع تسقيه، ومن أهم هذه المنابع معايشته للناس ومشاركته في حركة الحياة الهادرة. فضلاً عن زيادة ثقافة الكاتب وإطلاعه على تراثه وعلى إبداعات الشعوب الأخرى والاهتمام بقضايا العصر الذي يعيش فيه ومتابعة الإنتاج الجديد.

ـ لقد سمعت بأن بعضهم يرى أن السبب في الاعتزال هو غياب النقد، وعدم وجود حركة نقدية تتابع بشكل دوري النشاط الإبداعي أو تستطيع تلمس مسألة تطور الكاتب ؟

ـ قد يراها البعض، لكني أرى أن الكاتب يعلم أنه تلميذ حقيقي يسعى دائماً للتعلم، والكاتب في حاجة لقراءة الدنيا قبل قراءة الكتب فهي التي تعلمه كيف يكتب ؟ وماذا يكتب ؟..

ـ لكن ماذا عن الذين يأخذون العزلة عن المجتمع قد تطول؟

ـ تلك إضافة أحياناً يساعد الكاتب بها نفسه كي تلهمه أفكاراً جديدة.

ـ لكن هناك من يكف عن الإبداع؟

ـ نعم، للأسباب الناتجة عن الإفراط التي ذكرتها لك آنفا، لكن بعض الكتاب نجدهم يحومون حول عالم الكتابة فيكتبون النقد والمقالات، مع العلم بأنه على الجانب الآخر نجد أن بعضهم مثل هيمنجواي يؤدي بهم التوقف التام إلي الاكتئاب ثم الانتحار لأن التوقف عن الإبداع معناه الموت.

ـ إذن ليتني مت قبل أن تأتي هذه اللحظة؟

ـ لا تيأس، فمازالت الطريق أمامك منفتحة، وإن متَّ قبل أن تتوقف، سيكون توقفك توقفاً قدرياً كموت المبدع في سن مبكرة مثل شيلي في الأدب الغربي، ومثل الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي والشاعر المصري محمد عبد المعطي الهمشري، وهاشم الرفاعي وهذا توقف قهري لا دخل للإنسانية فيه إذ أن هناك أسباباً أخرى للتوقف منها السياسية التي تجعل الكتابة معرضة للقمع والمصادرة وتسمى أسباب خارجية، إضافة إلى أنه أحياناً ما تتدخل عوامل داخلية مثل الرقابة الداخلية التي قد يمارسها المبدع علي نفسه، فهو يراقب إبداعه خوف الاعتقال أو الاغتيال فيقتل العمل الفني قبل أن يولد، وهناك من يتحول إلي الرواية أو بالعكس، وهذا أشبه بالبركان الذي يتفجر من أكثر من فوهة، وهناك نوع آخر من التوقف ناتج عن العجز الذي يصاحب التقدم في السن وتآكل الذاكرة، أما في حالة نضوب الأفكار فقد نجد من الأدباء أيضاً من يستمر في الكتابة لإرضاء نفسه أو ليشعر بأنه لم يزل حياً، لكنني أري أن الإنسان يحقق ذاته فعلاً عندما يضيف شيئاً إلي الموجود، فالإنسان كائن مبدع لا بد أن يبحث دوماً عن الجديد وعن إضافة فعلية.

ـ وإذن؟

ـ فكر في الاعتزال إن لم ولن يكن لديك جديد تقدمه.






 
 

هناك تعليقان (2):

  1. فكرة حوار لطيفة
    يصيب الكاتب أحيانا خمول عن الكتابة
    فيجد نفسه غير قادر على التنفس بأي حرف
    ولا يجد إلهام في شيءما
    ربما هو الإعتياد على الأشياء يجعله هكذا

    جميل أن ذكرت بعض الأسماء المعروفة
    حتى مع الإحباطات التي واجهتها إلا أنها لازالت شامخة
    كما أنت أستاذا عبدالله النصر


    ابتسامة المسك

    ردحذف
  2. الحوار صريح و جميل ... هو الصدق مع الذات في اتباع التعاريف الصحيحة دون مغالطة النفس و جبرها على الاقتناع بأمور ضررها أكثر من نفعها.... ستبقى شامخا أستاذ عبد الله

    Ayman Ahmad Al-Dhafiri

    ردحذف