بـلـلٌ بـلا مـاء









بـلـلٌ بـلا مـاء





وقفنا جميعاً منبهرات يمنعنا من المرور إلى الجانب الآخر من الزقاق ماء يتدفق من أحد البيوت.. وثمة رجل - ربما يريد العبور إلى جهتنا - يقف في الجانب الآخر وبجانب بيت بابه مفتوح.. قالت إحدانا لمن تقف في الأمام بهمس:



هيّـا.. اعبري.. ضعي قدماً على تلك الحصاة، وأخرى على البقعة الصغيرة الجافة.. وستكونين هناك..



أجابت بهدوء وتردد واستحياء:

لا.. سينكشف الساق.. والرجل لا يتورع يرمقنا.. ألا ترين عينيه شاخصتين تجاهنا؟.



بادرت أخرى بالقول بعد أن سمَّـكت غطاء رأسها:

نعـم.. وربما تسقط إحدانا، فتتكشف، وتفشل، وتخجل أكثر !



قلتُ لهن ململمة عباءتي على جسدي:

إذن.. نبتعد قليلاً لنترك الرجل يعبر.. ومن ثم نعبر نحن بطريقة أو بأخرى.



نأيـنا بجانبنا، ملتصقات بالجدار.. فبقيت مسافة تكفي لمرور فيل.. بقينا ننتظر مرور الرجل، والزمن طال ولم يعبر.. لم يتحرك، وعيناه مازالتا مسلطتين نحونا.. نفد صبر إحدانا فقالت بصوت علا قليلاً:



هيّـا.. دعونا نعبر ولو بغوص الأوحال.. وتبلل الأذيال.. فالرجـل لن يعبر.. ولا حياء لديه ليفسح الطريق، ويغض بصره..



قالت أخرانا بهمس:

اخفضي صوتك.. ولن نعبر من هنا.. بل سنذهب إلى هدفنا من طريق أخرى ولو كانت أشق وأطول..



سلمـنا للأمر، وتوجهنا للعودة.. والرجل ما زال واقفاٌ وعيناه ناظرتان تجاهنا.. ابتعدنا قليلاً.. ألقيت عليه نظرة فضولية لا تخلو من اتحقار.. فرأيت صبياً يخرج من البيت ذي الباب المفتوح، فيمسك بيد الرجل اليمنى ويسير به في الاتجاه الآخر، وهو يقول بصوت عال جداً مقرباً فاه من أذنه:



هيّـا يا أبي.. الرجل ليس موجوداً في بيته.. وسنعود من الطريق الأخرى.. لأن الطريق من هنا غارقة بالماء و لن نستطيع العبور منها سوياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق