وأخيراً احترقت التجاعيد







وأخيراً احترقت التجاعيد





كان الشارع مكتظاً بأعين متطفلة وأفواه فاغرة وعقول مندهشة.. خوف.. هلع.. اضطراب.. عبوس.. جمود في الأمكنة المتنائية.. وتحذيرات جمة..



هناك ثمة بيت تتسلى عليه ألسنة لاهبة حمراء.. تطل من النوافذ.. من الأبواب.. من الثقوب.. تسخر من الواقفين هناك.. تهدد.. ترعد.. تلون الجدران بالأسود.. تنثر رماد الأشياء..



باغت المشهد أحدهم.. شق الصفوف.. شهق.. ازدرد سيل لعابه.. ارتعدت فرائصه.. امتدت تجاعيده.. تلونت ملامحه.. فتح مسالك زفيره وشهيقه فغدت في رواح ومجيء.. فكك ذرات الهواء بذبذبات صاخبة:

لا.. أولادي.. بيتي..



تـرك ثوبه مقطعاً في يد الواقفين.. ترك في عيونهم غرابة وتتبعاً.. صال وجال مع اللهيب.. خدعه بشكل غريب.. انغمس في أحشاء البيت.. تتبع الأصوات المخنوقة.. والأجساد البريئة المأسورة.. نجحت صولاته في ميدان نزاله.. سلم الجمهور المترقب أبناءه واحداً بعد آخر.. شنّ حملات أخرى هنا أسعف قطعاً من أثاث فاخر ناداه مزيداً من الحياة.. وهناك، أراد أن ينتشل مالاً وذهباً فلم يرَ لهما وجوداً.. حينئذ وقف محملقاً قليلاً في قرينة العشرين ذات التجاعيد الفاسدة التي يتغافل عنها في كل صولاته وجولاته.. وهي مصلوبة على عمد البيت المنهار، تذكر مقولتها التي دائماً ترددها بافتخار ونشوة:



يصعب عليه أن يرفض كل مطالبي وإن كانت مستعصية وشاقة عليه.. ذليلاً بين يدي في البيت وخارجه.. لقد وفقتُ في كسر شوكته وإن كان طيب القلب.



انتبه من ذاكرته.. سألها عن المال والذهب، فأجابته مبحوحة الصوت مقلصة التجاعيد:

اللص.. اللص قد سرقه وقيدني هنا، وأحرق البيت، ثم ولى هارباً.. أرجوك أنقذني.. أنقذني..



حملق قليلاً فيها.. فحمل قطعة من أثاث ثمينة بقلب من حجر.. وسلم ذاته بمفردها اتساع الشارع بعيداً عن اللهيب حيث الأعين المتطفلة، والعقول المندهشة.


 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق