الرسالة (1)




الرسالة (1)

سكرة في معبد البوح

بقلم / منى وفيق





لشدّ ما أنا محتاجة أن أنكتب بك هذا المساء .. و كلّ مساء..

عطشى روحك .. أحسّ وجعها .. إنّها تنتظر أن تسقيها روحي خمرة الحبّ فتسكر أبدا .. أبدا .. أبدا!!

عبد الله ، يا جنون هذه الحياة .. لا تدري أيّ رغبة بالبوح و المكاشفة تسكنني اللّحظة. البوح بماذا ؟؟ بكلّ شيء و بلا شيء ..

حزينة هي الرّباط هذا المساء .. وفيّة لي ..تأبى إلاّ أن تحاكيني .. هي ذي تلبس حزني و توهاني ..أصدقك القول، متعبة أنا منّي .. حتّى الشّمس ما عادت تصنع ابتسامتها من أفولها ..أكاد أراك تبتسم وتهمس لي قائلا :" أي مناي ، الحياة حلوة و لكنّها ليست سهلة. و ربّما سرّ حلاوتها هو هذا التّناقض. فقد قيل قديما لا تحلو نعم دون لا "

أسرّ لك وحدك أنّي بدأت أفقد منى الّتي أحببتها وأحببت سذاجتها الذكيّة .. منى الحالمة الّتي ما فتئت تقبض على الجمر لتسير إلى أحلامها .. منى الّتي تنفض انتكاساتها بكلّ شجاعة و ترفض بقوّة أن تظلّ موشومة بأقدارها .. كم أحسد ذاك الرسّام الهولنديّ الّذي قطع أذنه و أهداها لغانية ، فعل ذلك في لحظة يأس و احتقار للعالم .. لكنّي أجبن من أن أفعل مثله .. قد أفكّر لاحقا في اجتثاث رومانسيّتي المبالغ فيها مع كميّة الإنسانيّة والعاطفة الزّائدتين عن الحدّ ثمّ إهداء كلّ هذا لحمار لا ينوء بحملها و أخذها بعيدا للاّ مكان و اللاّزمان. و إن كنت أشكّ في قبول أيّ حمار بحمل هكذا أعباء مخافة أن يعيّر بها!!

أحيانا أضحك منك ومنّي و من رسائلنا .. لكنّي أفخر بيني و بين نفسي بهذا النّصر الصّغير الّذي حقّقناه على التّكنلوجيا و الإنترنت . أمس ، سألت محمود عن المتعة الّتي يجدها في قضاء الكثير من السّويعات أمام الحاسوب ليكتب قصصه الصّغيرة و ينفخ في فقاعات أحلامه الصّغيرة أيضا.يقول هو أنّ أفكاره تنساب دونما توقّف أمام سحر الشّاشة الفضيّة . أتفاجأ كيف يستغني عن تعريجات القلم الأسود و الورق الجميل..لعلّه يخشى أن تفضحه الحروف حين يخطّها؟!ربّما ..

صدقا ، أتساءل عن أيّ سحر لشاشة حاسوب باردة و ملمس أزرار جامد؟!

و من هو محمود ؟؟؟ أجل .. أجل .. اعذر ذاكرتي المثقوبة.نسيت أن أخبرك أنّني انضممت حديثا لجريدة محليّة كصحفيّة متدرّبة. و محمود هذا هو زميل لي . أتدري ماذا أسندوا إليّ في فترة التّدريب؟لا ؟؟لا تدري؟باب الأبراج . إييييه ، و لم أرفض .. فليست جلّ بداياتنا مريحة كما نأمل!

لكنّ المثير في كلّ هذا أنّني أحترف الكذب الجميل و أنا أملأ متتبّعي الأبراج سعادة و أحلاما بأشياء لن تحدث إلاّ في مخيّلاتهم.نعم كذب جميل ..أوليس وجودي في حدّ ذاته كذبة .. بيد أنّها أصدق كذبة ...!

و أنت تقرأ رسالتي سترى بإحساسك العميق كيف أنّ دمعي كان حبرا للورق . أنت تعلم أنّني لست سوى حالمة سهلة البكاء.و لا تزال عينيّ دامعتان بعد رحيله. و إن كان مرّ على وفاته شهر كامل.قد كان حكيما و لم يباغته الموت .. فدوما كان مستعدّا للرّحيل.تحدّث عن زمن المغرب الآخر و زمن طنجة الآخر بصدق جارح و متناه . إنّه محمد شكري الّذي لم يرتكب سوى خطيئة الكتابة عن المهمّشين و الملاعين و المحرّمات.رحمه الله!لو أحببت سأجعلك تقرأه..

صدّقني ، قبل أن أكتب لك هذه الرّسالة .. كتبت لك و أنا أكتشف شوارع الرّباط من جديد كما كلّ مرّة آلاف الرّسائل بمخيّلتي .. و كما كلّ مرّة أيضا لم أكتب إلاّ رسالة واحدة على أرض الواقع..الواقع..كم أنبذ هذه الكلمة!!

عوّدتك على رسائل طويلة و ثرثرة لا متناهية .. بيد أنّي آمل أن تعذرني على قصر هذه الرّسالة كما عذر كلامك صمتي أحيانا كثيرة..

لا يفوتني أن أحيّي جنونك اللّذيذ .. و لأعترف أنّك فاجأتني هذه المرّة ..فآخر ما كنت قد أحزره هو أن تختم نشرة الأخبار المذاعة مباشرة هامسا بصوتك النّاعس :

" منى .. أميرة العاطفة .. يشتاقك قلبي .. آمل أنّ قمرك لا زال باسما!! "

و أمّا عن تعليقي فهو ببساطة أنّك قريب منّي كما لو كنت نبضات قلبي ..



استمرّ في جنونك .. و إلى لقاء!

حالمة تحبّك ..












هناك تعليق واحد: