في جريدة الشرق الأوسط





في جريدة الشرق الأوسط استضافتك على صفحات المنتدى
أجرى الحوار الأستاذ / فتح الرحمن يوسف


1- في (الصفعة) .. سالت مشاعرك في مواعين المواقف الانسانية في (وافد هندي) يبيع الفل لرواد الشاطئ .. ما أهم التداخلات والتقاطعات البنيوية لفكرة سرد يهتم بوجوه وافدة تتحرك داخل الإطار المجتمع السعودي؟.


ج1/ اعتقد أن الأسلوب الإنساني بمستويات القص، هو أهم عامل قوي لتلك التقاطعات والتداخلات لبناء فكرة سرد من هذا النوع، فارتباط شخصيات متباينة في اللغة، واقتناء النص لنفسه لغة رابطة بينهما تكون محكمة الصنع، هذا يمنح التجربة بكل أجناسها الأدبية ويتيح لها الثراء في الدلالة والشكل والإيحاء، بل ويجعلها تتسم بالفتنة والدهشة والانفتاح والتفاعل والقبول، علماً بأن هذا العرض القصصي يجب أن يعرض من غير تدخل فكرة أو عقيدة متبناة يفرضها الكاتب، هذا من الجنبة الأدبية. أما من جنبة بناء الذات، فإن محاولة عرض أي نص من نصوصنا لظاهرة لا تنتسب إلى وطن نعيش في كنفه، هو لأجل الوقو ف على معرفة السلب أو الإيجاب فينا على الأرجح.



2: هل تمددت فلسفتك الفكرية الثقافية في (واجهة الموت) .. لماذا هذه المحاولة التي تنتهي بغياهب الموت؟


ج2/ واقعاً أؤكد على أن نص (واجهة الموت) يمتد بفلسفة فكرية ثقافية كرسها الوعي الذاتي بعد أن استخلصها من الواقع المهترئ ليصل بها إلى الحد المدهش في المسألة الإبداعية.. لكن هذه الفلسفة لايمكن أن تسلم زمامها إلى المتلقي كوجبة جاهزة على طبق من ذهب، ولذا أتخذت منحى التواري قليلاً خلف جفن الأسلوب ولغته، ليقف ذلك المتلقي بعض الوقت مع النص نابشاً ماتحت غطائه أو كاشفاً عنه عباءته.

نص واجهة الموت، نص لايضع الموت حلاً أو نهاية للأزمة في حراك الحدث ومشاهده المغتضبة، أو يطرحه كفكرة لمنشود ما، ولكن الموت هنا وضع ليظهر بواجهة أخرى له اقتنصت من دنيا تملأها سخرية مرفوضة قطعاً.


3/ في بعض نصوصك (موروثة), (جسار), (صحوة), (حرباء).. يعتقد بعض المهتمين بالسرد القصصي أنك خلطت بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا .. ما تعليقك؟ وما الفاصل بينهما في خيال النصر وفنياته التكنيكية؟


ج3/ لم أفهم واقعاً فحوى سؤالك سيدي، هل الخلط تم فيما بين النصوص كترتيب في مجموعتي القصصية الثانية (في المنعطف)، أو هو في متن نص القصة الواحدة بحيث تشكلت من جنسين؟.. لكني أجيب بأن نصوص المجموعة والموجود بها تلك النصوص المذكورة ضمن سؤالك، بودي من المتلقي أن ينتبه إلى أني لم أجنسها ولم أفصلها بفاصل يشي بنوعها القصصي.. بل حاولت خلط نصوص القصص القصيرة بنصوص القصص القصيرة جداً، وأياً كان هدفي ومرماي، إلا أني بعملي هذا كفعل جديد، أطالب المتلقي أن يشير إليّ بجنس النص كما أطالبه بما توحي له القصة، شريطة أنني لن أبوح له بموافقة ما، أو رفض ما، ليكون الفاصل بين تلك النصوص هو ثقافة ووعي المتلقي ومشاركته الفعل الأدبي لاسيما القصصي تحديداً.


4/ إلى أي مدى تدفعك مكونات الأحساء التراثية والجمالية والإبداعية والطبيعية لبناء سرد مختلف؟

ج4/ الأحساء هذه الواحة الثرية بمكوناتها المختلفة ليست فقط على مستوى المكان وعناصره الجامدة فقط، بل على مستوى الكائن الحي والنباتات فيه أيضاً، هي كأي مكان في الدنيا، لا تحتاج من المبدع الحالم بإشراقات الضوء، إلا الحضور على مكوناتها الماضية والحاضرة، ووعيها والإحساس بها، بل والعيش فيها، والتعايش معها، وحملها كهم من الهموم التي تقض المضجع، إلى غاية تكون أكثر سمواً.. فإذا ما تسنى له ذلك، وليس أن يكون كالعابرين، فإنه بلا شك سيخرج في جل إبداعاته الفنية بنحو مختلف عن غيره إلى حد قصي، ستغني الشاعر في شعره، والقاص في سرده، برؤى وتجليات ذات قيمة فنية وإبداعية.

ولذا بحكم قصر عمري الإدراكي الذي عشته في الأحساء، كانت لي نصوص قليلة عنها، أعتقد أنها جاءتْ مختلفة إلى حد ما، في الأسلوب وفي الموضوع وفي المصطلح وفي اللفظ ذاته.


5/ يعتقد البعض أن محاولتك الاستعانة بلغة شاعرية في سردك القصصي لا تساعدك على بناء قصصك كما ينبغي .. ماذا تقول؟

ج5/ لأصحح المعلومة إذن، أنا لا أستخدم اللغة الشعرية في بناء القصة وتكنيكها، وإنما أستخدمها فقط في الوصف، وذلك محاولة لأن يكون له نكهة مختلفة عما يأتي في رواية القصص على ألسن العامة.. فاللغة الشاعرية ساعدت - حسب اعتقادي - على خروج الوصف عن حالته التقليدية ومن جموده إلى ثرائه وغناه بالإيحائية وبالتأولية وبتعدد الدلالات.


6/ في (هواجس أمام العاصفة) هل ترى أنك مهووس وما العاصفة التي تخشاها؟

ج6/ في الحقيقة أستاذ فتح الرحمن، لم أفهم مصطلح (مهووس) هذا، ولذا أسألك (ممازحاً): هل يعني أنني مصاب بالدوران، أو بالجنون وخفة العقل، أم مصاب بأعراض تضخم الأفكار وانتقالها السريع من موضوع إلى آخر؟. أم مهووس بماذا؟. وليتك أشرت عزيزي إلي بمواطن الهوس في النص لأقف وأستفيد منها.
وبشكل جدي أجيب: في كل الحالات، أنا لستُ مهووساً في النص، أنا راوٍ أعتقد أنني عاقل وذكي إلى حد كبير، اقتنصتُ الحدث، أو الفكرة، وأظهرتها وعرضتها بالكيفية التي تراها بعناصر القص المطلوبة، وأعتقد أن القصة نجحت حيث ساهمت في الالتفات والإشارة إليها.
والعاصفة التي أخشاها هي عدم إدراك مغزى النص، وتحميله مالايتحمل ، ومحاولة أعزائه إلى أمور لم يرتكبها، أو لعلها حركة إقصاء للنص عن قصصيته وشمولها على عناصرها الفنية.


7/ بعد مشوارك القصصي المسكون بمشاعرك .. هل تعتقد أن جيلك جاء بما لم يأت به الأوائل, وما تقييمك لواقع السرد حاليا وهل من تواصل بين الأجيال السعودية في هذا الجانب؟

ج7/ أرى أن جيلنا مازال يرزح تحت وطأة التجريب، ومحاولة التطوير، بل مازال يترنح ويتنقل مابين جنس وآخر، فضلاً عنه أنه غدا يخلط ويعجن الأجناس الأدبية كلها في بعضها، من أجل الخروج بما هو جديد ومختلف، هذا على المستوى الفني، وكذلك على المستوى الموضوعي فقد حاول طرق الكثير من التابوهات بطرقه المختلفة، فقفز على بعض الخطوط الحمراء، مما ساهم في رفع سقف الحرية بدرجة ما.. هذا هو الواقع السردي الذي لو استمر على هذا المنوال في مستوييه الفني والموضوعي وأخلص لهما، فإني أتوقع أنه سيأتي يوماً ما بما هو جديد وأجد.
أما من ناحية التواصل بين الأجيال السعودية، فإني أؤمن أن الأمور تسير على خير، حيث السعوديين بعدما ثقلت بهم وكلت ظهور الصحف المحلية منهم، وجدوا في الصحف العربية والعالمية مخرجاً ومتنفساً لهم، بل وجدوا الإنترنيت وسيلتهم ووسيطهم، إلى المتلقي والمبدع في شتى أقطار الأرض وبكل اللغات، بنحو سريع وفاعل، وهذا الوسيط الأخير ما سهل انتقال المبدع من خارج حدود وطنه ليبدي نتاجه مفيداً ومستفيداً، ولعل مشاركة ودعوة العديد من الساردين في الدول العربية، وأشير إلى الملتقى السنوي للقصة القصيرة جداً في حلب، خير دليل على هذا التواصل.




ج8/ لازلتُ في رحاب القصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، كما أنه لي محاولة في كتابة رواية قررتُ إرجاءها إلى مرحلة أكثر نضجاً لي في المستوى الفني والموضوعي.



9/ في رأيك، ماهي الطريقة التي بإمكانها أن تؤسس لمستوى أدبي أرقى أو جديد؟

ج9/ في الواقع نحن نعيش أزمة دارسين ومنظرين وناقدين للأدب بكل أجناسه.. حيث هذه الفئات الثلاث الجادة والغيورة قادرة على وضع المبدع على الطريق الصائب، بالإشارة إليه بسلبياته وإيجابياته لمحاولة بنائه، ليس إلا.. كما نتطلع إلى مبدع مرن جداً جداً، وضع تحت لفظة (مرن) ألف خط أحمر.. لأننا في الواقع نواجه الكثير من المبدعين أو من ينتسبون إلى الإبداع، تصل بهم قناعاتهم والدفاع عن نصوصهم إلى حد العجرفة والتكبر والخيلاء والاستماتة أيضاً، بل وقطع العلاقات الثقافية والجفوة، ولعمري هذا ماسيبقي الأدب على حاله بل سيجعله في حالة خرق وارتكاس وابتذال وميوعة وهلامية، بل وصيرورته مخلوقاً مهجناً غريباً.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق