الـفـاصـلــة



الـفـاصـلــة







حليف الأنامل يدغدغ بصمات البنان فتضم الأشياء بحنو، والحاسة الخامسة تحتطبها تكيلها بهدوء، والسحب هناك تتسابق بلهاث غريب نحو العدم، والظلام المحموم يقتطع تأشيرة خروج بلا عودة.. النافذة موصدة، والباب أيضاً، والألوان غير معروفة، والرياح ساكنة، والرائحة نائمة. أما خضاب السطور فيتوهج سواده - ليمتثل أمام تلك الحاسة بثبات – من خلال إضاءة محدد مسارها من قبل. والصدر يلثم المسطح الذي يحمل الأشياء يتهيأ لصد الهجمات.. وهناك صراع يحتدم تكرس فيه كل المعاول ليهد ذلك الجبل الذي يصد المياه الجارية برعونة.. وبسلطة نظر، وبقوة بصيرة تمعن، وبعصبة لحمية نطق: ( جميل.. جميل.. عظيم.. عظيم.. سيهز العالم أجمع..).. واهتزازات القبول تمارس، وكسوة الابتهاج ترتدى، والحاسة في تعجب لا يستهان به وفي شغف لا مثيل له، والعقارب تسير دون هوادة.. الطرق يتوالى من الخارج، فلا يجد من يوليه اهتماماً.. فيتلاشى وينفد مع همهماته و تكهناته.. مع قرع خطواته وحرارته.. حتى ينتهي التسبيح في المتن المتلاطم، وتجلس متربعة كل من سجدت هناك إجلالاً وإكباراً.. فيقف بحواسه الخمس على حاسته الغائصة في الاتزان والفوز الذي يأبى الهدير.. فيتأبط آسره ويشده بقوة إلى جنبه، ويفتح النافذة ثم الباب بوله تام، وتلتهم خطواته المسافة المتجلية في بيته إلى إن حطت في الممشى العام، حيث الأرصفة مفقودة، والإسفلت لم يحن وقت مجيئه، والأنوار مؤجلة إلى أن يؤذن لدور التعليم بالانتصاب فيها، فتنتصب معها.. فينادي:



أنتم.. يا أصحاب هذه القلاع الطينية.. متى تكون التماثيل في منأى عن خصالكم؟.. هذا الليل، وهاأنتم، كغرس واحد في أرض مشطوبة.. لكن هاأنذا وهذا هو المشروع، فاصلة بين النوم وبين اليقظة..



تدثر بالصمت.. وما التف حوله غير السكون.. وصهيل النسانيس يغمر أذنيه.. والأجساد تنام هناك في القعر تلتهم الأعشاب البحرية.. لا القطط أولته نظرة من عينيها، ولا النخل انحنت جذوعه ليسمع النداء، إلا جسدين كانا يتجاذبان الدفء، يهمس الأول منهما للآخر:

نداءات ـ هذا المسكين ـ تقطع نياط قلبي ، ألا يمكنك إجابته .



فأجاب وهو يدس كيانه المرتعش تحت غطائه معها:

اتركيه، إنه لا يبارح الهذيان.




 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق