الرسالة (3)


الرسالة (3)

في رحيلهم.. عودة لي... !!

بقلم / منى وفيق







ألا من بداية جافّة .. شائكة .. دامية .. أبدأ بها رسالتي إليك ؟! هه ؟؟

أما من رسالة واحدة فقط تنقل هذا الفيروس إليك.. فيروس جراح الرّوح و الجسد .. حتّى تتعلّم ألاّ تشحنني بجمرة التّفاؤل الخبيثة التي تملأني أملا كاذبا في غد لم يجئ أمس .. و تجعلني نجمة نهار حالمة .. !

.. أتدري ماذا ؟ انتظرني لحظة.. ها أنا قادمة منّي إليّ !

... !................! ........ !.....!

هاهاهاهاهاهاهاهاها .. أووووووووووووووووووف .. انتعشت قليلا .. بل كثيرا .. أخيرا وجدت في نفسي بعضا من جرأة خائفة .. حسنا ، لا بأس ببعض من شتائم و لعنات تلقّيتها لكنّها أراحتني على كلّ حال .. أسرّ لك أنّي ما خلت قبلا أنّ الصّراخ فيما بعد منتصف اللّيل يجعلك تنتشي هكذا .. ببساطة خرجت إلى الشّارع و صرخت بلغتي العربيّة الفصحى المنبوذة .. قطعا ظنّني الجيران سكرى خصوصا بعد أن رأوني أعانق جارتي المومس الجميلة فتيحة والعائدة لتوّها من إحدى حانات الرّباط .عائدة هي من رحلتها اللّيليّة.. من توهان مبك إلى آخر مضحك حدّ البكاء!! ذكّرني أن أحكي لك عنها في الرّسائل القادمة. إنّها واحدة من كثيرات اخترن التّعطّر بالزّيت الأسود !! كم أحبّها هاته المومس الطّاهرة في زمن كثرت فيه الطّاهرات المومسات!!

منذ مدّة لا شيء مميّز يحدث معي .الإبتذال و فقط الابتذال، وفي كلّ شيء. رسائلك هي الشّيء الوحيد المميّز و المثير في نبضات حياتي المبتذلة. هذا ما قلته لنفسي هذا الصّباح و ساعي البريد يسلّمني رسالتك رامقا إيّاي بنظرة غريبة. أكاد أجزم أنّه خالك تغلّفني بالدّولارات كيف لا وعنوانك مكتوب بخطّ كبير: عبد الله.. الدمّام.. المملكة العربيّة السّعوديّة. لطفا عزيزي، في المرّات القادمة لا تكتب عنوانك فهو يثير الشّبهات.. و سيّما في هذا الجزء من شمال إفريقيا.

هكذا إذن ؟ محمود يؤاخيك في القصّ و يشبهك في الفعل؟! لا أعتقد أنّك ستحبّ أن يحدث معك ما حدث وإيّاه. المسكين فقد الجزء الثّاني والثّالث من روايته " أشياء تحدث " .. كيف حدث هذا ؟ ببساطة لأنهم سرقوا منه حاسوبه المحمول. نظرت إليه مبتسمة بخبث لا شماتة قائلة: " إن تلك إلاّ أشياء تحدث يا محمود.. فقط أشياء تحدث".. أين هو الآن سحر الشّاشة الفضيّة ليعيد إليه تعب شهور من العمل المتواصل و الأفكار اللّحظية ؟! ها ...!

ذات الخنجر الّذي مزّقني من فراقك يوما هو ذا يمزّقني من فراقها اليوم.. و هاهو حنين ما قبل الرّحيل يشعلني و يقودني من كفر الحياة إلى الموت. لم أنت بالذّات ترحلين يا سناء ؟! كنت أرى قوّتي فيك وضعفك فيّ .. كنت سأتحمّل رحيلهم جميعا سواك.. سواك !! يصرّ عليّ الجميع أن أسعد لسفرك وأدعو لك بالتوفيق .. تبّا لهم و تبّا لي!! وجهتك ولاية أوهايو و جامعة آشلند بالتّحديد . تؤكّدين أنّك ستدرسين بجّد هناك. بل و تسألينني أن أتمنّى لك الحظّ السّعيد لتعثري على عمل وبالتّالي الاستقرار بالويلات الملعونة خمسين لعنة.. أبتسم لك ببلاهة و أتمتم بتعاويذ حفظتها عن متسوّلي هذه المدينة.. أدعو لك بالحظّ الوفير.. آآآآآآه لو تدرين ما فعل سفرك بي.. أيقظت فيّ شهوة الأفعى في الخراب.. ليتني فقط أملك أن أسرق من القدر سلّة أحكامه عليّ و أساومه عنك و عن جلّ من رحلوا..!! يا ليت..!

عبدالله.. يا عبدالله.. أتراني كنت مخطئة حين تراجعت منذ شهر ونيف عن قبول عرض العمل المغر ذاك.. مذيعة تلفزيّة في سيدني الأستراليّة.. أتراني استحققت أن ترميني وقتها بالمتسرّعة؟! أصدقك القول أنّ نزوة الرّحيل كادت تتمكّن منّي.. قلت لنفسي ولم لا يا منى؟ لم لا ترحلين بذات عقليّة القطيع؟؟ لم يجب أن تكوني الاستثناء؟! هذا الأخير الّذي لا يؤكّد إلاّ القاعدة للأسف. أجل، لديّ الشّجاعة لأقول أنّني ضعفت وكدت أفعلها.. و كتلة من الأحاسيس أنا..!

لكنّ الشّكر كلّ الشكّر لمحمد سعيد.. ليس يدري أيّ خدمة أسدى لي في محاولة منه لاغتيال حيرتي بالسّفر أو عدمه: " أي منى.. مبادئك هي مصالحك.. لذا لا تتردّدي في المغادرة لأستراليا " كذا قال وأنا أنعت إحدى قناعاتي أمامه.. قد فتح صديقي الكاتب هذا كما فتحت قبله سناء ندبا كثيرة بأعماقي... .. بيد أنه يجهل أن في رحيلهم عودة لي .. وأني أنجذب يوما لفكرة الهجرة و لا أظنني قد أفعل. ألست أحدّثك عن الرّحيل ؟؟ لم لا أخبرك عنه إذن.. حبّي الأوّل.. أو وهمي الأكبر.. فأنا أعترف أنّ ما حدث لي معه كان حاجة للحبّ أكثر منه حبّا حقيقيّا.. و ليتني ميّزت هذا قبلا.. هو أيضا كاتب.. من ذاك النّوع الّذي ليس يعرف سوى ترديد الكلمات الرنّانة.. فنّان في ملامسة المشاعر.. متألّق في جعلك تتوه داخل متاهات روحه ثمّ لا تخرج إلاّ و أنت توّاق للعودة إليها!!

كان يردّد أمامي ضحالة فكرة الهجرة.. ليفاجئني بحماسه الكبير للذّهاب لإسبانيا، فعلى حدّ قوله أرض الله واسعة بما يكفي ليبحث عن كرامة لم يجدها هنا.. أعلم أنّه سيعثر عليها وهويساعد الإقتصاد الإسباني بابتكار آخر الطّرق لقطف الطّماطم والحصول على الأسماك دون اصطيادها.. إييييييه ومن يدري؟؟

عزيزي، لم يتفنّن ّ أغلب مبدعينا بانتقاء الكلمات الرنّانة و ترديدها على مسامعنا.. أتراها موضة من موضات العصر؟ هاهما شاعرانا ال..صّادقين جدددددّا وبعد إصرارهما على ضحالة تلك الجائزة النّفطيّة الحقيرة يتعطّران بزيتها الأسود كما جارتي فتيحة.. ويجعلانني أدرك أنّ أصدق الشّعر أكذبه.. هاهاهاهاهاها ..

عبدا لله، كلّما هممت بالتّصالح مع ذاتي أفشل .. فأحبّ الفشل.. وأغرق فيه غرقا هو أقرب للذّة علقم.. أتراك جرّبت تلكم النّكهة؟

حسنا.. لن أقول أنّي أحسّ بالذّنب لأنّك طردت من عملك بسببي. صراحة، أسعدني ذلك فأنا كنت منذ البدء ضدّ فكرة تقديمك للأخبار.. و استغربت جدّا قبولك الأمر بتلك البساطة.. و تفاجأت أكثر وأنت ترضى بحذفهم برنامجك "الهيمنة الخلفيّة " و تعويضه ب "شاهدت لكم “ لك تهانيّ القلبيّة بطردك.. سعيدة أنا لهذا.. و إلى آفاق أصدق و أرحب إنشاء الله حلّق.. حلّق.. حلّق يا نورس الصّحراء... !!

إلااااااااااااهي.. إنّه آذان الفجر.. فرصة أخرى لأصلّي و أتصالح مع الله.. محاولة أخرى قد تنجح ربّما..

أراني دردشت معك مطوّلا.. و آمل أنّك أحببت هذا.... و لا داعي أن تعاتبني لأنّ هاته الرّسالة لم تحمل ولا كلمة حبّ واحدة .. صدّقني لا أشعر بقدرة و لا رغبة بقولها.. و أنت خير من يعرف أنّي لا ألفظ إلاّ ما أحسّ.. و عتبك مقبول على كلّ حال..

سأنتظر رسالة مختلفة.. أريدها كلّها نكات .. لنضحك و نضحك.. لكن دون وجع..

مرفق مع رسالتي روايتا شكري " الخبز الحافي " و " زمن الشطّار " و لنا معهما وقفات..



لو كانت للعالم حتميّة الزّوال.. فهي تأتي من هناك.. من روحي!

العائدة من رحيلهم










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق