استطلاع رأي :





بقلم الكاتبة زينب البحراني:



هل اغتيل عنفوان الثّقافة وشجاعتها فأدركها العقم في صدر شبابها؟

أم بلغت حدّ الشيخوخة في وطننا العربي بدلاً من أن تدخل طور النّضج فاختار حاملو رسالتها الانزواء تحت ظلّ مُغازلة الصّمت أو مُجاملة الفساد طلبًا للسلامة؟!



تعصّب.. ومراتب عاجيّة!


القاص السعودي عبد الله النصر أكّد على أنّ ثمّة أكثر من بُعدٍ نفسي مُكوّن لتلك المُشكلة، فقال:


"في هذا الزمن نرى الكثير ممن أصبح لا يمتلك الثقافة الحقيقيّة التنويرية والرصينة المهذبة التي ترقى إلى مستوى النقد البناء، والرقي، والاحترام، واللباقة في مواجهة القضية أو الآخر.. كما لا يملك المعرفة العلمية المتميزة المتجددة والأسلوب الغني بالمعلومات وبالآراء الجيدة المقنعة أو المحققة للمطلوب مع المحافظة على قيمة القضية وإنسانية المنتقد. وقد حول البعض القضايا الثقافية العادية، إلى قضايا مصيرية.. أو تمس العمق الإنساني مباشرة.. بحيث لو ناقشت أحدهم في قضية ما ، فإنه يحولها بطرق شتى، وأقربها بالتشنج وبالتعصب لفكرة ما، يحولها إلى مساس بتلك القضية كأن يجعلها تافهة حقيرة، أو يحولها إلى مساس بكرامة واحترام الإنسان صاحبها.. بما يسميها الآخرين شخصنة الأمور"


ويُكمل: "الشعب العربي لكثرة ما تمر به من ضغوطات في شتى المستويات الحياتية، أصبح عصبياً ومزاجياً ومشتتاً.. فأمسى تعامله مع القضايا وتلقيه النقد والرأي ووجهات النظر بطريقة لا تتصف بالرقي والوعي وبسعة الصدر والمرونة والمثالية والتعاطي مع الآخر بتقبل للبناء والتقويم سواء في ذاته أو في أمر يقوم عليه.. فضلاً عمن يرى نفسه في مرتبة علياً عاجية، فإنه يفتقد احترام عقل ورأي الآخر، وتنظر إليه كروح وفكر وطموح أقل منه، وأنه عضو ليس بالمستوى الكبير الذي له دوره الفاعل في الحياة والمجتمع، مما نشأت المجاملات والوساطات والتحقير وغيرها من مواطن النفاق والتقليل


ويُضيف: " كما أنّ البعض أصبح عندما يطرح قضيته أو يناقشها فوق أنه لا يحترم عقل ووعي الآخر وإنسانيته أيضاً ، يتصف بأسلوب العداء المطلق مع الآخر في الطرح، فلا يكون عادلاً ولا منصفاً، ولا خير من يقيس الأمور وسطاً، ولا يسعى إلى التهدئة والوحدة والتسامح، بل يثير الخصومة والبغضاء أكثر"





البقية على الرابط التالي:





من أسئلة قرائي



من الأستاذ الأخ/ أحمد محمد بن الشيخ

السؤال الأول/ بخصوص القصة : ماهي الشروط الواجبة توفرها كي نقول عن نص ما انه قصة ؟ وماهي مقاييس القصة الناجحة في رأيك؟

فأجيب : سؤال تكرر كثيراً للكثير من كتاب القصة القصيرة وبذات الصياغة، وأجيبَ عليه بإجابة واحدة، هي ذاتها التي سأجيب بها، إذ أنني أقتنع بها من حيث التجربة..
الجميع يتفق على أن للقصة القصيرة شروطاً أساسية لايمكن أن تحيد عنها وهي

(المقدمة والعقدة والحل أو لحظة التنوير)

كما أن لها شروطاً تقليدية تتمحور حول :
1- (الحدث) الواقعي. المعقول . الواحد، وإن تعددت جزئياته. الواقع في زمن ومكان مقنعين.
2- (الشخوص) في بعدها الجسدي وما تظهره من حركات وسكنات، وبعدها الاجتماعي من حيث علاقتها بالمجتمع بكل ما تحمله من ثقافات مختلفة.. وبعدها النفسي المتضمن لرغباتها وآمالها وعزائمها وأفكارها وأمزجتها وانفعالاتها وهدوئها وانزعاجها في أحزانها وأفراحها. 
3- (العقدة / الحبكة) التي تعد مجموعة من الحوادث المرتبطة ببعضها ارتباطاً زمنياً ، مشكلة وحدة عضوية متماسكة في مظهرها الداخلي والخارجي .
4- (البيئة) وهو الوسط الطبيعي الذي تجري ضمنه الأحداث وتتحرك فيه الشخوص في زمن تمارس فيه وجودها .
5- (الحوار) وهو الباعث على حيوية القصة وإخراجها من رتابة السرد وطوله، وثقله، وملله وسأمه، وهو القريب من الواقع، ووجوده يضيف للقصة ولا يرهلها.

هناك من يتبنى مقولة بأن هذه الشروط التقليدية يمكن تجاوز إحداها حتى يكتفي كتابها بأن يسيروا " بها نحو هدف ما، ومن معاني السير البحث، ولاسيما البحث عن الوجود"
لكن أنا لا أتفق تماماً مع فقد أي عنصر إذ ربما يجعل توازنها يختل، وتتشوه معالمها.


أما عن المقياس التي تنجح فيها القصة، على الأرجح أن تكون في (العنوان ) ( المدخل) ( اللغة ) ( الفكرة) (الأسلوب ) (الوصف) (الخيال الخصب) (الحوار) (الحدث وحبكته) (النهاية) أي في كل أجزائها إذ أنه من الواجب أن تكون غير مسبوقة في خلقها، جذابة، وآسرة، ومبهرة، ومعبر ، ودقيقة، وممتعة ، وصادمة ، وفضفاضة تتسع لكثير من الإيحاءات، والتأويلات.. غير ضعيفة ، ولا مترهلة ، تحتاجها القصة وتستفيد منها استفادة قوية .



السؤال الثاني/ بخصوص النشر : هل ترى أن آلة الزمن قد عفت على نشر القصص الورقية وأصبحت الإنترنت والتواصل الإلكتروني أسهل للوصول للقارئ خصوصا وأن عدد مستخدمي الإنترنت في ازدياد وعدد قراء الورق في نقصان ؟ وكيف السبيل للحصول على الملكية الفكرية إن ابتعدنا عن النشر الورقي ؟


ج/ حقيقة هذا الموضوع شائك جداً حيث الجدل الكبير الحاصل بين مؤيدي النشر الرقمي ( الإلكتروني) وبين مؤيدي النشر الورقي.. وكلٌ له قناعاته القوية التي يستند إليها.
عن نفسي رغم أني أؤيد النشر الإلكتروني من حيث أنه وسيلة سريعة ، وسهلة ، ومريحة، ولا تجد لها حدوداً متشددة ، ولا حرية ضيقة، وذات طابع جمالي كبير، وكثيراً ما نفتقدها في جهات النشر الورقية ، التي لا تلبي رغباتنا في النشر إلا وفق تلك الحدود المتشددة والحرية ذات السقف المنخفض جداً، والأطر البالية، بل ويكون النشر في فترة زمنية قد تطول كثيراً يُفقد معها الصبر.. وتذبل معها فرحتنا بالمولود الجديد آن ولادته وقبل ولادة آخر غيره.
لكن من جهة أخرى أؤيد وأفضل النشر الورقي من حيث أنه يسعى إلى حفظ نتاجي المكتوب، كما يعزز ملكيتي له، والشعور به كواقع ملموس لا اقتراضياً يكاد أن يكون كالخيال على الشاشة.. بل وأستطيع إهداءه إلى أي صديق كهدية قيمة أيضاًُ حسية لها أثرها كبقية الهدايا القيمة. حتى بإمكاني أن أضمه إلى صدري، أو يضمه صدر المهدى إليه.
ورغم المميزات التي يتمتع بها النشر الإلكتروني إلا أني من خلال تواصلي مع الانترنيت على مدى أكثر من عشرة أعوام ، عندما أبحث عن بعض نصوصي القصصية والموضوعية لا أجدها، فبعض المنتديات أو المواقع تصاب بالحجب أو بالخلل كعطب في الذاكرة أو فقدها أو امتلائها في زمن قريب مما تلغى أكثر النصوص القديمة لاستقبال نصوص أخرى جديدة، والكثير من المشاكل والإلكترونية ، أو التحديثات التي تحصل للمواقع، وفي المقابل الكتاب والجريدة والمجلة مازالوا لدي منذ زمن طويل، أكثر من عشر إلى خمسة عشر سنة لعمري الكتابي.


السؤال الثالث/ بخصوص الاستخدام : كنت مع الأستاذ المخرج هشام العبدي وقد شكى لي نقص كتاب القصص الصالحة للمسلسلات ونقص كبير في كتاب السيناريو , سؤالي هو أين الأستاذ عبدالله النصر من كتابة النصوص التمثيلية من قصة وسيناريوا ؟؟؟ وهي برأيي الشخصي الوسيلة الأنجع والأمثل لتصدير الفكرة إلى عقول الناس.

 
ج/ في الحقيقة لم أألوا جهداً عندما كنتُ أسكن الأحساء قرية الجبيل، فقد قمتُ لأربع مرات بكتابة تمثيليات وعمل سيناريو تقليدي، وذلك حينما كتبتُ تمثيلية بعنوان (الندم) التي تم تصويرها في شريط فيديو مدته ثلاث ساعات، وكذلك تمثلية ثانية بعنوان (اليتيم) وتم تصويرها في شريط مدته ساعتين ، والثالثة بعنوان (من المسئول؟) وتم تصويرها في ساعة ونصف تقريباً، والرابعة حينما قمت بكتابة مسرحية بعنوان (هزيمة الشيطان) لمهرجان الزواج الجماعي بالقرية ذاتها..

والثلاثة الأخيرة حينما لم أجد ممن يقم بتصويرها قمتُ بذلك بنفسي، إلى حد أني أصبحتُ أيضاً (كاتب القصة والسيناريو/ والمنفذ/ والمصور/ والمشرف/ والمخرج/ والداعم/ والموزع)..

السيناريو يحتاج معرفة وخبرة كافية، وربما دراسة منهجية ولو من باب معرفة المبادئ الأساسية على الأقل فنطورها، وللأسف أنا لم أسع إليها حتى الآن، لأنه في اعتقادي بأني لن استخدمها يوماً ما.

وأما بالنسبة للقصص ، فإنها متواجدة بكثرة في كتبنا وغير كتبنا، وبإمكان أي مخرج أن يسلط الضوء عليها ، ونحن لن نتوان في مساعدته، ولقد وعدنا الفنان (إبراهيم الحساوي) وغيره بذلك منذ زمن بعيد، ولكن لم يتم ذلك حتى الآن، كما أرسلت بعضاً من قصصي إلى الفنان (عبدالله السدحان) ولم نتلق جواباً.

فأعتقد أن التقصير ليس من الكتاب ذاتهم، إذ أن الساحة تغص بالكتب القصصية القابلة للتمثيل، ولكن التقصير من وجهة نظري هي من المخرجين، فهم لا يلتفتون إلى المنتج المحلي، وكما يقول المثل (مزمار الحي لايطرب).





من أسئلة قرائي




من الأخ / أنكوف..
سؤالك: ماذا ينقص القاص السعودي لإبراز الدراما السعودية في المسلسلات؟؟ والنصوص فيها ضعيفة؟؟

يبدو لي بأن الكثير من القاصين السعودية لسوء فهمهم وعدم خبرتهم بحيثيات القصة الناجحة ، والتجريب المستمر لجملة من أساليب القص التي كثيراً ما تفشل، كذلك بسبب انخفاض سقف الحرية عليهم جداً جداً ، انتحى بالقصة إلى الإرباك والركاكة والضعف والتلغيز والغموض وغير المباشرة والطرق من بعيد على الموضوعات المهمة، حتى لا يكاد يفهم القارئ مغزاها الحقيقي سواء أكان ذلك القارئ بسيطاً أم متمكناً.. فأصبح من الصعب اقتناص أفكار بعض تلك القصص ، ليتم تحولها إلى عمل تمثيلي يعرض عبر الشاشة التلفزيونية ضمن سياقه الثقافي والاجتماعي المؤثر الذي يؤتي أكله، إلا إذا كان بمستوى محاكاة النص ذاته، أي يكون غامضاً ، أو غير واضحً.. فيبقى المتلقي سواء أكان قارئاً أو مشاهداً تائهاً ضائعاً لا يخرج بشيء، لتبقى عنده أسئلة جمة لا يجد لها جواباً ، وعدم قناعات كثيرة لجوانب القصة التي تم تمثيلها، ليعتمد على ما يخمنه أو ما يؤوله أو يأتي في حدسه.
كما أرى بأن أغلب القصص المنتجة لا تخاطب العقل والقلب ولا تحاول أن تكون أكثر موضوعيه وخطاباً إعلامياً.. بسبب سذاجتها أحياناً وتسطيحها وبساطة وضعف السيناريو في العمل الدرامي. فضلاً عن أن القصة الدرامية المتلفزة لم تنضج ذاك النضج التام ، ولهذا تتم كتابة النص بصورة مستعجلة وسريعة ، تخلو من الأساليب التي تسدي النصح والإرشاد بنحو مقنع مدلل بقوة من خلال مشاربه الحقيقية التي تستمد منها النفس قواها وتعزيز فطرتها ، لذا تجدها مفقودة الجاذبية المطلوبة لإحداث التأثر والتأثير..
أضف إلى أن النمطية في عرض القصص وشخوصها ، أي بالطريقة المتشابهة والمتماثلة.. تأتي بالملل والسأم والنفور..
وربما لا تناسب ما تود عرضه شاشاتنا لغرض تجاري بحت، فتترك أو تهمش الأعمال القصصية الناجحة، باحثة عن تلك القصص التي تخدمها في هذا السياق، ييفقد العمل الدرامي مصداقيته، وللأسف هذا ما يعد غياباً للشعور بالمسؤولية الأخلاقية والاجتماعية والوطنية لدي بعض الكتاب والمنتجين للمسلسلات .
ثم أن كتابة النص الدرامي المتميز الجدير بالأخذ به والعمل عليه، مسألة ليست متحققة لكل مريد، لأن كتابة القصة الدرامية، هي عملية إبداعية و فكرية و فنية شاقة ومعقدة كثيراً, تحتاج ممن يلتفت إليها، أن يعد لها إعداداً مسبقاً، وتحضيراً متكاملاً، حتى يخرج العمل بنجاح، فيؤثر في الجمهور المتلقي بكل فئاته العمرية وعقلياته .
هذا ولتقديرك كل تقدير.
تجده على الرابط التالي:

الأسلوب البسيط بين الجذب وانهيار القص






الأسلوب البسيط بين الجذب وانهيار القص





يلفت نظرك إلى قوة ملاحظته، وقدرته على التقاط الموضوعات المختلفة من كل شيء حوله.. فما تخرج من موضوع جميل رائع سجله في قطر من أقطار قصة قصيرة ما، حتى يفاجئك بموضوع آخر أجمل وأروع احتضنه وآواه بقصة أخرى.. بدءاً من قصته (بثغر باسم) حيث الصبي الذي نالت منه الحياة بقسوة الفقر والعوز حين أراد الحصول على لعبته المفضلة ، وحين نالها محروماً من أبسط حاجات ترميم عظامه بين جدران المدرسة أسوة بزملائه الطلاب، اغتصبها منه صبي آخر، لتعود به المعاناة من جديد.. وانتهاء بقصة (رحلة حب) التي اقتنصت موضوع ذلك الشاب الباحث عن الزوجة التي تروقه فيجدها على حين غرة في الحافلة حين فجأة سقطت عيناه عليها فاختلس لها نظرة ، آسرته ، وراح ينسج الخيالات والآمال والطموحات فيها لتكون زوجة المستقبل، إلا أنه تفاجأ بأنها زوجة للعجوز الذي كان يعتقده أباً لها لكبر سنه وصغر سنها، العجوز الذي راح هو يساعده في الحافلة أبان سفره لعله يظفر بابنته.. إلا أنه خاب ، وأية خيبة كانت؟!



القاص الأحسائي/ أحمد العليو.. الذي بدأ مشواره خلسة، وحياء في ربوع الأحساء، كما هم قصاصها.. يصطاد لنا من بحر الحياة الاجتماعية مواضيعه، فيغمرنا بمآسي شخوصه ، انتهج الأسلوب البسيط جداً في طرح أفكاره القصصية.. الأسلوب الذي يمكن لأي قارئ ذي ثقافة متوسطة يجعله يلتهم قصصه ويفهم مغزاها سريعاً وما يريده منها دون إنهاك أو تعب.. بل دون أن يحاول الزهو والتفخيم في عباراته ولغته، الأمر الذي يجعل من قارئه أيضاً لا يضيق ذراعاً به، فيهجره (استسلمَ عمي الحجي إلى النوم ورقبته تدلت على رأس الكرسي ، والنوم بدأ يغمض جفوني ، فأسندتُ رقبتي رافعاً جسدي قليلا لتعتدل رقبتي ، فسقط بصري عليها وهي ترفع الغطوة قليلا لتنظر إلى أسفل ، لمحتُ جمالا خارقا)..



أعتقد أنه من الكتاب الذين يهمهم جداً إيصال الفكرة للمتلقي الذي ينفعل ويرتب أثراً ، ولم يكن من الكتاب الذين يهمهم أن يكون فخوراً على القارئ بأسلوبه من أجل أن يخاطب فئة معينة من المتلقين ، كالناقد الذي يتعلل ويتذرع به البعض ، ومحاولة الرقي إلى ذوقه ، وكأننا بصدد نقاد حقاً لا يتوانون عن واقتناء القصة القصيرة ويتسابقون إليها واقتناص مكامن التأويل فيها.. نعم يحاول العليو، أن يلامس ذوق الناقد ولكن ليس بالمستوى الذي يتركه في لحظات مطولة في التأويل والتشريح، ليثقل من في الجانب الآخر ، متلقيه (القارئ) البسيط الذي يهدف إليه (اكتشفُ ملامح وسامة دثرها الزمن ، يلقي شيطاني العباءة ، وخيالي يبدأ بمحاولة رسم ملامحها)..

ورغم أن العليو في قصته رحلة حب، الذي حاول أن يجعل القارئ يحس بإصبعه التي يوجهها إلى ملاحظة هذا أو ذاك من المعاني الواردة في الموضوع أو القصة، وقد أشعرنا بأن همه أن يقرأ له بقوة ويفهم مايرمي إليه (ما أجمل الصدفة أحيانا) بل أصابته هفوة التدخل في قصته ببعض العبارات والإسهابات غير المطلوبة (وضعتُ حقيبتي على الكرسي المجاور لي عازما على السفر ولأستريح من أحاديث اختيار الزوجة التي رفضتُ الكثير ممن عرضتْ علي أمي وأختي الكبيرة ، فكثيرا ما يُخنق اختيارهما على حبال أسئلتي عن ملامحها وأوصافها ، وقد أصبحتا تعجزان عن إقناعي ، المشكلة أن قتاعتي لم تكن كبيرة بأن أتزوج على ذائقة الآخرين في مجتمع يجعل الأنثى تسير والغطاء الأسود يغطي جسدها ، تعبتْ أمي وتعبتْ أختي من استخدام الحيل والمراوغات للدخول للبيوت الأجنبية لرؤية فتياتهن ، أظلُ في جدال معهما نهارا ، وليلا استلقي بجسدي على السرير وأعانق تلك الصور المثيرة .) رغم ذلك كله، إلا أنه أتخذ في أسلوبه البسيط ، صفة صاحب الصدر الرحب، والحديث الخفيف إلى الصديق المقرب له والمحبب منه، فجعل من القارئ يحس بأنه الصديق العزيز عليه والمتجاوب مع أسئلته وأفكاره وما يريد توضيحه وطرحه في سرده ، فأعطاه متعاطفاً معه كل مبتغاه ومايدور في فلك فكره، وإن كان ذلك قد أتى على القصة ، وأثقل عليها (أسئلة الناس كثيرة حول زواجي ، يريدون أن أقدم لهم تقريرا لهم عن عدم دخولي للقفص الذهبي كما يزعمون ، وللأسف الأغلب لا يرى إلا بنظارة الجنس !! .



منهم من رماني بأني عاجز جنسيا فيأخذ بوصف عقاقير وأدوية منشطة لي ، وبعضهم يسألني هل لي رفيقات من بناتِ الهوى ؟ ! ، أتذكر أحدهم أخذ يلح عليّ بأن يصحبني لبنات الهوى المزعومات بالرغم زواجه بثلاث نساء ، فأضحكُ من سخفه وهيجانه .) وما كان ينبغي له هذا التعاطف على حساب القصة.. نعم راقني العليو بعدم التعالي على القارئ، إلا أنه فقد خاصية عدم الإيجاز ، فأهدى المتلقي مقدمة ، كي يهيئه ، والقصة القصيرة لا تقبل ذلك، ثم حاول التدخل فيما لا ينبغي التدخل فيه، والتعليق على بعض المفاصل في القصة، ووضح له الكثير كي يكون أكثر راحة ورخاء.. وأعلم بأن القاص العليو يعي تماماً قدر الإيجاز في القصة القصيرة وأنه يدرك بقوة أن هذه الهفوات تخل بالقصة، وقد وجدتُ ذلك ظاهراً في كثير من قصصه حتى خرج بحصيلة كثيرة من القراء المختلفين الذين انسجموا مع القصص وراحوا يؤولونها رغم وضوح وجهها في الظاهر، إلا أن ذلك يعد كبوة لفارس يمكنه ألا يكبو مرة أخرى...



أعتقد أن العليو برع في الإيجاز الذي تقوم عليه القصة بأقل عدد ممكن من الألفاظ.. بمعنى أن تحذف كل كلمة لا تخدم المعنى أو تضفي عليه الجاذبية المطلوبة. في هذه القصة (رحلة حب) ولاسيما في نهايتها المفاجئة المخيبة للآمال بقوله : (سبقته إلى أسفل الباب .



ـ " عمي الحجي أعطني يدك " .

وعيناي تنظران زوجتي في المستقبل . وصوتٌ مخنوقٌ ينصب رمحه في قلبي :

ـ " وجع يوجعك ، أزعجتنا يا عمي الحجي ... يا عمي الحجي ".

دور الأرضُ بي .

تلكزها المرأة الكبيرة وصوت خفيض :

ـ " عيب يا ابتني ، عيب المرأة يطلع صوتها "

وبوجه يغزوه الخجل يعتذر العجوز لي من عبارات زوجته !!! .فيزداد دوران الأشياء من حولي ، وأوراق الأمل تتساقطُ من حولي)



ومن هنا أشد على يد القاص العليو، بهذا الأسلوب السردي الذي يعبر عن اهتمامه بإيصال أفكاره الخصبة المشحونة بقوة خياله وروعة تصويره للأشياء والمواقف التي يلتفت إليها وتشده فيقدمها على طبق من ذهب إلى قارئه.. وآمل أن يلقى هذا الأسلوب اهتمامه بالدرجة الأولى فيرتقي به ليكون ضمن السهل الممتنع، بل ويكون مميزاً به، خاصاً له، لتخرج قصصه إلى النور بكثافة، فيحصل على أكبر قدر من القراء الذين ينفعلون ويرتبون أثراً بعد القراءة.. وأعتقد أن العليو باجتهاده الذي بدا واضحاً في انجازه لمجموعته القصصية (الجسر) في فترة وجيزة قادر على أن يلهبنا بهذا الأمل.

كما يجدر بي إلى حث القارئ الكريم، إلى قراءة مجموعته ، لإيماني بأنا ستجتذبه وتأسره، وسيخرج بحصيلة طيبة.

وفقه الله وأعانه في مسيرته القصصية .




مقدمة الرسائل


هنا ستقرأ الرسائل المتبادلة
مابيني

وبين الكاتبة المغربية المتألقة
منى وفيق






مقدمة ( 1 )

منذ التقاء حروفنا.. منى، شعرتُ بانفكاك الأقفاص إلى حيث انكتابي وانكشافي.. شعرتُ بانعتاق يأخذني إلى طريق البوح بكل هدوء.. طريق مسفلت في ذاكرتي، وأرصفة مرتبة في خيالي.. وفي كل لحظة من لحظات اغترابي، فجيعتي، صمتي، انهياري.. وجدتك ـ وحدك لا شريك لك ـ سماء رحبة صافية.. فأهدرت دمي إليها بانتشاء.

عندما تلاقحتْ أفكارنا، وتماثلت مآربنا.. كان عليّ أن أنفتح عليك منذ تلك الوهلة.. حتى شعرت بأنك ضرورة لضروب البوح والمكاشفة.. لتكوني أنت الإله الذي يسمع أسطورتي فيأخذني إلى أسرار الرحمة واللطف.. فكان بعض هذا منِّى.. وكنتِ ذاك.. بل كنتُ لكِ كما كنتِ لي.

نعم، كتبنا هذه الحصيلة.. بطبيعتنا، بوعينا، بسذاجتنا، وجنونا.. أبرزنا ذاتنا، وأبرزنا الجانب الإنساني فينا، وتركنا لهما نوع من الاتساع.. غير خائفين من القدر وخيانته، لأننا اعتدنا منه الخيانة.. غير آبهين من الشنق، لأن فكرة الحياة بعد الشنق أخذت استقرارها فينا عقلينا.

لكن، ماذا بعد طرق كل هذه الأبواب.. عزيزتي.. كم من إنسان سيقرأ وصايانا هذه؟.. كم إنسان سيقاسمنا هذا الهم؟.. كم إنسان سيفتح عقله ويتفاعل مع ما جاء فيها، أو يقرر ما هو أصبى فيعمل بالوصية.. لنجد مافي خارطتها مفعَّلاً على أرض الواقع مالم تفعِّله أيدينا التي شلتْ فيسمو، لأن العامل بما سما هو الأسمى.

هذا ما أريد أن أسألك ـ عزيزتي ـ عنه!.. هذا ما يؤرقني.. فهل سيطفئ ـ المتلقي القادر ـ النار التي تناولها منا في مأتمنا الذي كان فيه هذا اللطم والنوح وشق الجيوب؟.. أو سيربت على أكتافنا.. أو يقودنا هو أيضاً إلى حبال الشنق غير واع أن فيه حياتنا؟..

آمل أن يكون من القارئ شيئاً حسنا، وإن لم يكن

فلا شك أنني أشعر بأننا متفقان على أن الله أسانا.. الله الأكرم الألطف.



عبدالله النصر (السعودية)




مقدمة ( 2 )


أيهٍ عبد الله.. يكفينا أن نكتب لنحيا داخل كتاباتنا. ومن ثمّة يحيا الآخرون داخلنا. رسائلنا تحمل الكثير من سذاجتنا.. أحلامنا.. انكساراتنا. فيها افتتنّا بالموت.. رأينا الكثير من الجمال في السّواد.. بها عشقنا برودة الجمر ولسعة الجليد.. كنّا عريّ إلاّ من أحلامنا.. احترفنا فيها من الصدق جله، ومن الكذب الجميل ما باقيه..

قد تساوى في رسائلنا التبر والتراب.. وبينما كنا جالسين على وجه الأرض كنا نجلس في السماء.. دخولنا حانة الكتابة أثملنا حتى ترنحنا بالسكر على كأسها، فكشفنا الشيء الكثير من خصوصياتنا وخصوصيات بلدينا وواقع كل ذلك.. لكننا لم نغفل التفاوت في القيمة الكتابية فيما بيننا، وكذلك في توجهاتنا. فضلاً عن ثمة تقارب فيما بيننا من جهة الكتابة ودلالاتها، حتى في التداخل والتوجه الفكريين، وإن اختلفت بعض معطياتنا، فذلك كان من خلال طريقة التعبير عن موضوعاتنا المختلفة في زمانها ومكانها ومحيطها.

رسائلي بالذات، قذيفة أوجهها بسلاح محكم، إلى ذاك الذي حاولت أنت أن تتلبس شخصه.. ذلك الذي حملتُ له كلي كورد عذراء، فوطئها بأقدامه.. مع أنه لم يفطن إلى أن فعله قد أحياني!.. ومن بؤس خلاياي الجامدة فيه قد انتشلني.. فكنت أنا منى، حيث لا يريد أن أكون.. وأما هو فلم يكن سوى سحابة صيف ماكرة، سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء.

ولذا ـ عزيزي عبدالله ـ أوافقك في ما ذهبت إليه: ( ماذا بعد طرق كل هذه الأبواب؟.. كم من إنسان سيقرأ وصايانا؟.. كم إنسان سيقاسمنا الهم؟.. كم إنسان سيفتح عقله ويتفاعل مع ما جاء في رسائلنا، أو يقرر ما هو أصبى فيعمل بالوصية.. لنجد مافي خارطتها مفعَّلاً على أرض الواقع مالم تفعِّله أيدينا التي شلتْ فيسمو، لأن العامل بما سما هو الأسمى)..

بالطبع، عبدالله، أنا معك أحمل لسيدي القارئ الذي طالما شعرنا بفطنه وإحساسه هذا الغيث... ولا آمل لنا الآن غيره.. فإنه في حياته حياتنا.. وفي بعث سناه بعث سنائنا، على أن الكتابة المقدمة هنا نقداً: خطابياً، وبه شيئاً من الإنشائية، لا علاقة لها ببنية النقد كممارسة فكرية، وهو يتقدم بأوصاف، وتعابير لا تخرج عن إطار المحسوس المباشر.



منى وفيق ( المغرب)









وحمل الأثير سذاجتنا


هو العنوان المبدئي للرّسائل المشتركة مع القاصّ السّعودي المبدع عبد الله النّصر ، و الّتي من المزمع نشرها ورقيّا عمّا قريب . ولم نر بأسا من نشرها أوّليّا في موقعينا على النّت .
رسائلنا هذه تحمل الكثير من سذاجتنا .. أحلامنا .. اغترابنا .. فجيعتنا .. صمتنا . فيها افتتنّا بالموت .. رأينا الكثير من الجمال في السّواد .. و بها عشقنا برودة الجمر و لسعة الجليد .. احترفنا من الصّدق جلّه و من الكذب الجميل ما بقيه!

كتبنا هذه الحصيلة بوعينا ، بطبيعتنا و جنوننا .. و بشدّة برزت ذواتنا و معها الجانب الإنسانيّ فينا !!

لحظة التقت حروفنا شعرنا بانعتاق يأخذنا إلى طريق البوح بكل هدوء .غير آبهين بالتّفاوت في القيمة الكتابيّة فيما بيننا و كذلك توجّهاتنا ...!

يهمس لي عبد الله قائلا : منى .. كنت كلّي .. و كنت كلّك في هذه الرّسائل . ثمّ يردف متسائلا : هل سيطفئ المتلقّي النّار الّتي تناولها منّا في مأتمناالمليئ باللّطم و النّوح و شقّ الجيوب ؟؟! أم لعلّه سيربّت على أكتافنا ؟؟ أم تراه يقودنا أيضا إلى حبال الشّنق غير واع أنّ فيه حياتنا ؟!؟!!
أي عبد الله .. لا أملك أن أجيبك .. فأنا إذ دخلت حانة الكتابة ثملت حتّى ترنّحت بالسّكر على كأسها .. ثم ّ إنّ فكرة الحياة بعد الشّنق تستهويني ..!

منى وفيق