من منفى إلى منفى




من منفى إلى منفى





حين استوطنتني الأحلام وأخذتُ هويتها، أقمتُ الأرض الموات بأنفاس شرهة، صدئتْ قدماي وراحتاي فيها.. بقلبي، قبرتُ الحَبّ في صدرها المُنَفَّس.. نفضتُ الطين عن تجاعيدي المهداة من القهر والذل.. من تاريخي القاتل المهمِّش.. وبمسيل محرق إلى وجه المالك الأعظم، نصبتُ وجهي المنفي في الكآبة والاحمرار.. مددت يدي العاريتين.. أطفأتُ الصمت بين يديه.. علوتُ إليه برجاء المعدمين، مزّقتُ رسائل أسراري.. قائلاً بتوسل:

يا إله الـحَبِّ قيّض مطراً.. مطراً.. مطراً...



وفي ربقة الإلحاح والأسر التي اغتسلت بالدموع.. وأنا أجثو مملوءً بالأمل.. في سجودي المغمور بالاستعطاف.. بكتني ساعاتي الشاهدة حالي، والسكون الذي استيقظ.. أنَّ لحالي الجماد.. أنّتْ الطيور المهاجرة.. فهمتْ صوتَي الدواب، شَجَنَتْ.. وذابلاً مالَ إليّ الشجر...

أراد الله أن يُسكتني.. صارع الغيث بكُنْ، فكان.. نـزل ماؤه.. سقى الـحَبَّ وانجاب حزني وانتحر.

وبأقدامي السعيدة، قفزاً طبعتُ آثاري على الأرض المبللة بالحياة كالقرود.. عصرتُ قمصاني المزدانة بالرقع.. غادرتُ محرابي المضاء بالفرح والشكر والامتنان، أردد:

شكراً لك يارب.. شكراً لك يارب.

كاليعسوب حملتُ البشرى إلى قرينتي.. مبتهجاً أقول: عزيزتي.. قد اُستُجيب الدعاء.. قد سقى الله الأرض مالم يسقها بشر.

لكن ما أن عاينتها قد شقت الجيب عويلاً، ووجعَّت الأرض لطماً، وقتَّمت الزمن فاجعة.. حتى عربدت في ملامحي دهشة مصلوب.. أخفتْ كلّ وجهي فوهة مدفع غاشم.. كَنَسَتْ فرحتي.. بل غرستْ في صدري مدية حادة، ونثرت أشلائي، بعد أن أشارت لي إلى بيتنا المشيَّد بالطينِ وقشِ الحقول، صارخة تقول:

آآآآآآه.. يازوجي.. وجه عينيك إلى بيتنا، إن الغيث قد أتى بأجله.



12/11/1424هـ








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق