الرسالة (9)


الرسالة (9)

رقصني يا جَدَعْ... !!

بقلم / عبدالله النصر







موني.. مرحباً..

أنا الآن أرقص مع (5000 آلاف ريال سعودي)!!..

ليتك تريني كيف أبدع في الرقص مع أنها أول مرة!!.. بل ليتك معي..

أرقص بكل نشوة..

أنا ثمل الآن بخمرها..

أرقص.. وأرقص.. وأرقص.. وأصيح (رقصني ياجَدَعْ).. كما يقول إخواننا المصريين.

يااااااه.. ما ألذ الرقص مع المال، وفي حانته؟!!

أحسد كل الراقصات!!



لاشك ستسألينني أنى لك هذا؟..

هي حصيلة رواتب شهرية استجمعتها على أشلائي.. قاصراً ومقصراً.. قاصداً ومقتصداً..

لكن.. موني.. خمني.. ترى ماذا يمكن أن أفعل بها؟..

ولا تسأليني ماذا يمكنها أن تفعل؟



أتوقع أنه سيتبادر على ذهنك بأن تكون كلها مهراً لك!!.. أو لا.. لا.. لا.. ستطلبين مهراً مجزئاً لإسكات الشرع، وستفكري في أن أقتطع لك بالمبلغ جواز سفر وتأشيرة فنقيم زواجاً بسيطاً جداً ونستأجر بيتاً على أرضنا التي تراودك، وبسرعة..

لا حبيبتي.. ياحبيبتي لا..

إن استطعت فعل هذا بخمسة آلاف ريال سعودي، يسعدني جدا!

ولكنها ستكون سعادة وقتية لاشك سيتبعها ندم سريع، الحكمة تقول( من عمل بعجل، ندم بمهل)..

سأقول لك ماذا سأفعل بالمبلغ، بعد أن أقول لك بماذا قد فكرت قبل ذلك.

دعيني أحك صلعتي التي يقطن على جوانبها الشعر الأبيض أولاً.. لاستعيد لك ماقد فكرت به..

أمممممم... آه..

لقد فكرت أن أبقيه واستجمع عليه حصيلة الشهور المقبلة حتى يفي بمتطلبات زواجنا، لكنني تراجعت فهذا قد يطول لسنوات، وهذا متعب على صعيد النفس والجسد..

أمممممم.. وفكرت.. أن أستثمره في إحدى البنوك الاستثمارية، فخاب أملي لكونه قليلاً جداً، حيث لن يثمر بالشكل المطلوب.

وفكرت أن أفتح به مشروعاً استثمارياً خاصاً... أيضاً خاب أملي، ففي بلادنا ماذا يمكن أن تنشئ خمسة آلاف ريال من المشاريع الخاصة ومتى يمكن أن تقف هذه المشاريع على قدمها وتثمر بالشكل المطلوب؟.. ثم أنني لا أريد أن أتعب ذاكرتي أكثر مما هي متعبة!!.



فكرت.. وفكرت.. وفكرت.. حتى أنني قررت أن أرابي به..

نعم، أرابي.. فالعشرة آلاف في السنة الواحدة تصبح أثني عشر آلفاً، أو ثلاثة عشر..

لكنني لم أجد من يحتاج فقط إلى مبلغ زهيد كهذا.. بل أيضاً رأيت بأن مدة سنة لزيادة ألف ريال يعد مبلغاً زهيداً، والمدة أيضاً طويلة.. ليتها كانت خمسة ملايين ريال.. وهي كذلك الآن في نظري!

لن أطيل عليك.. فقد كانت الحصيلة من التفكير المتعبة والمملة، والتي ربما لن تتوقعي أن يقوم بها مثلي.......

هي الدخول في مغامرة مع الأسهم!!.. نعم الأسهم عزيزتي التي لم يبق اليوم صغيراً أو كبيراً.. جاهلاً أو عالماً، سليماً أو سقيماً.. دون أن يقترب أو يدخل في بوتقتها.. ويؤسر في واديها الحضيضي..

فكرت في اللعب معها بصرف النظر عن المعرفة والخبرة.. كما يقول المثل ( مع القوم ياشقرا)..



أرجوك.. لا تكوني كصديقي الحميم فاضل..

أتذكرينه بالطبع..

المضحك المبكي أنه كاد يصفعني عندما قلت له بفم مليء أن الكتابة ـ التي بدأت معها مؤخراً كطريق لتحقيق الطموحات بكل ألوانها ـ لا تغني ولا تسمن من جوع.. كاد يصفعني ليس لأنه معترض على القول بقدر ماهو معترض على أنني سأنصرف بكامل تفكيري وجسدي إلى تداول الأسهم وإهمال أو البعد نهائياً عن طريق الكتابة أو الثقافة عامة كأمر أجل، بل أزعجه بأني وضعت مقارنة بين الكتابة والتداول المالي..

مارأيك أنت؟

أمؤيدة، أم معترضة؟..

لا.. لا.. لا تعترضي، أرجوك.. فهو لصالحنا..

أنت لا تعلمي عن الأسهم السعودية الآن وماذا تقدم؟

لا ينفد صبرك.



يحزنني، أني لأول مرة أشعر بأني أبتعد عن فاضل بمسافة ما.. قلباً وقالباً.. لكن أنت تعرفين الحال..

فاضل المسكين.. أصدر تناهيده بنحو لم أقاوم صلب جسدي أمامه.. فهربت، كما هربت من القلم اليوم!!..

قال لي، قبل أن أهرب، أنه مندهش من بعض مثقفي هذا اليوم..

حتى الشاعر/ محيي فوزان.. الذي قضى عشرون عاماً في خضم الكتابة الشعرية والنثرية والنقدية في شتى طرق الإعلام والنشر، وبذل جهده بتفان وحب، حتى وصل إلى قمم الشهرة والمجد الكتابي.. أنه لمجرد أن انتعش سوق الأسهم وشعر بضيق يده عن تلبية بعض أموره المعيشية بشكل يتناسب ووضعه، بل أراد زيادة رصيده في البنك كغيره.. ترك مجاله الثقافي متوجها بكل إخلاص لتداول الأسهم فقط، وفقط، ولم يفكر البتة، حتى في أن يضيف العمل في الأسهم إلى اهتمامه كحصيلة تدعمه..



كما قال بأنه قد انهار لمجرد أن رأى أحد المثقفين الذين لهم ثقلهم في المنطقة، أمام شاشة التداول مأسوراً قلباً وقالباً حد الموت، وكأنما نهمٌ منقطع إلى نص كتابي ساحر، بل ربما غلبت الشاشة على ذلك!!..



وأردف قائلاً : بأن هناك مثله أمثال كثيرة..



فاضل.. منزعج تماماً، منهار لهذا التحول، بالرغم من أن أولئك قادرون على العيش الهانئ..



في الواقع منى، إن هذا الأمر مؤلم ومميت حقاً، ولكن في مثل حالي، ماذا ترينه سيعمل؟

هااااااا.. ماذا؟.. هل سيتفرج على حاله والناس حتى البسطاء منهم أصبحوا أغنياء من خلال هذا الطريق بسرعة مهولة؟.. ونحن وأمثالنا، مازلنا نخطط وننظر بفكرنا وحروفنا...... هااااااا منى؟



أعوام طويلة أكلت وشربت على جسدي وعقلي.. ودائماً هي المحظوظة..

الزمن في مجتمعنا اليوم، زمن المادة والاستهلاك، ليس زمن الثقافة والكتابة والإبداع!!

هذا مايظهر الآن.. وهذا ما أتوقع أنك قد وعيته، أليس كذلك؟



خمسة آلاف ريال.. يا مناي..

بين يدي خمسة ريالات وكأنها بين يدي طفل!!

خمسة آلاف ريال.. وأنا حر.. أرقص.. أرقص..



سأضل أضحك تارة وأبكي تارة أخرى بجانبها!!

وإن.. إلا أنني لن أتوان عن الدخول في ربقة الأسهم، حبيبتي.. أجدها طريقاً سهلاً جداً للكسب السريع.. أتوقع أنها شهور فقط وسأحقق كل ما أريد من مال لتحقيق آمالنا، وربما يفوق بكثير.. ستعيشين حياة رغيدة.. ستنسين كل أيام الجفاف..

الدهر لم يأل جهداً في تجميد قلبي.. لن أفكر في الذين خسروا، ففقد بعضهم حياته أيضاً..



هي ليست مسألة قناعة أو عدمها.. بقدر ما أفكر في مسألة كيف سأحصل على المال بتلك الطريقة، نعم سأفكر في مسألة القناعة من ناحية أنني أمتلك الثقة بنفسي وأني سأنال ما أريد، فقط، وفقط…

وأعيد لك السؤال : هل هذا يسعدك أو يحزنك؟..

لكنني أتوقع بأنه لابد وأن يكون لهذا قدراً لديك.. !!

النتيجة مرهونة بالتجربة.. لن أكون سوداوياً..

كل ما أريده هو قطرة تشجيع منك..

أو تعلنيها صراحة بأنك لن تقبلي بالزواج مني، بسبب تحولي هذا..

لم أنس بأنك قلت في ذات رسالة بأنك ستكونين لشاعر.. وهذا ما يحدد ومايميز ويوضح هدف الفرد الذي ترغبين في الزواج منه..

حين تعلنيها صراحة، فأنا لن أغامر..

سأتوقف عن هذا المشروع ليبقى مشروع الزواج في الحلم حتى يتحقق على مهل.. هل ستقبلين أن نبقى في الحلم؟

وإلى متى؟؟؟



سأنتظر رداً سريعاً منك دون أن أنقطع عن الرقص، وليكن هذه المرة عن طريق البريد السريع، فليس لدي وقت لإضاعته..

لحظة.. ربما ستسألين عن رسالتك الأخيرة (كيفما اتفق).. في الواقع لم أفتحها بعد..

لعلي أجد أمر هذه الرسالة أهم.. كعادتنا أحياناً في تقنين بعض الأمور دون أن نطلع عليها!!..

عذراً مناي.. آمل ألا يزعجك هذا.



تحية نبيذ



..










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق