حين لن يأتي الحلم


حين لن يأتي الحلم











- ذاكرتي ماتت.. ماتكما دائما، كما في كل نظرة مني لك، تردد هذه العبارة الفائحة.. الباهتة.. ترددها وإيمان يملؤني بأنك تخبئ صدق شعورك/مشاعرك.. ثمّة سواد يلمع في نهاية النفق.. يهدّجُ أنفاسك.. يجهمُك.. ينهدُّك.. فتنفثُ دخاناً يلوّث غرفتنا الرحبّة. وبدوري أََضغطُ متنك.. أهزه.. أكشفُ/أُعرَّي وجهك:

- لا تتنصل!.

تخبئ كفيك تجاعيدك.. تتأوه في ثائرة حرى: لا.

تقبضُ على صدركَ المتهافتْ.. تأسرُ فكركَ الهاربْ إلى الأيام الآتية.. تداولها.. فأبادرك بكشف آخر:

- أنت تغسِّل ذاكرتك، وتكفنها إلى القبر.

لكنكَ مازلتَ حتى الآن تكررُ في نفقٍ معتمٍ مغلق: ذاكرتي ماتت.. ماتت!.

وعلى طاولةِ المنفى الصباحية.. حيثُ النور يتماهى والأمل في طرقي المبسوطة.. أواجهك بإصرار:

- عزيزي، اعترفْ بأنك تراوغ قلبكْ، فملامح شعوركَ لا يمكنها الاختباء.

ترفع أعلام الاستسلام بطأطأة الرأس حد المغيب، فتعترف باللفظة التي أشعلت نار الشمس:

- إنه وجع المواجهة.

تشعر بأني أفهمك حتى في أغتضابك.. أنا والحقيقة العلقمية سواء.. فأبحثُ عن صيغة تُقصي احتضارك.. أجدها.. فانهال بها على جمجمتك كالحجارة أو أشد قسوة:

- هذا الألم ـ يا صديقي ـ ليسَ بعيداً.. حبيبتك.. أنتَ مشرّب بها حدّ هذا الوجع.. أحببتها مثلما، أحبتكَ، وأهدتكَ صعلكة، وأصدقاء، وملامح، وذاكرة، وأرصفة، وشوارع، وتوق لما بعدها.. هذا الوجع ليس إلا بعضُ فرح، حتى بالمعاناة التي جعلتكَ هنا ماءً بعد أن كنت هناك وحشاً.. ثم ما الفرق بين الهُنا والهُناك؟، إلا حميميّة الوجع، الذي لا يشكل منزلة بين منزلتين.. وجعٌ محسوب بحساب الوجد والوجدان والعتب والقلق والنزق والنزف والنبض. أما غسيلُ الذاكرة الذي أنتَ دائماً ترجعهُ للوجعِ الأولِ، فهو محض فائض على الوجع الحقيقي.. لا ابتعاد وأنت لم تسمع همساً بما ليس فيك، وتهما ألصقتْ بك بما لا تعلم، بل وقذفتَ بالباطل ورميتْ براءتك بذنب الذئب.. أعتقد بأنه ما زالتْ ذاكرةُ الوجعِ لبلادكَ تنخرُ فيك، ولا أتصور بأنك تؤمن بأن الأمكنة، هي التي تسكننا!.

منصتاً لي كنتْ.. مستسلماً لكل الضرباتْ.. تعلمُ بأني أسكنُ في داخلكْ.. ولذا بكفيكَ لملمتَ أشلاءَ جمجمتكْ.. فوجدتُكَ قد أغمضتَ عينيكَ لحظات.. ثم قلتَ متراجعاً:

- ذاكرتي مازالت حية.. بيد أني أتوق لحمل جسدها إلى حيث رحلتَ أنتْ.

حينئذ قلتُ لك: أهرب، إذن!.



1/1/1428هـ





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق