ديانة العصر

قصة قصيرة
عبدالله النصر

في العام الأول: تلمستْ حروفه حرفاً حرفاً.. حروفه التي خالتها تستلبُ ذعر دهشتها.. حروفه التي تصورتها تتنسكُ بإحساسها وخيالها في دير فؤادها المكلوم.. بل وَمُعَتِّقَة لخمرة لبها المخذول.. جودتها أنفاسها بمجمل النوتات.. أصابعها الرشيقة عبَّرَتْ إليها علامات إعجاب مغالية في الإيقاع.. وطيَّرتْ إليها من معطف عاطفتها قوسين، فيما بينها، رؤية تفوق عنفوان تصورها، بل تفوق جماح تصور الآخرين.. وتضعها تاجاً على رأسها ورؤوسهم.
وهكذا هوساً صنعت الطقوس مع كتبه ومنشوراته.. بينها وبينها.. بينها وبينه.. بينهما وبين العالم جله..
خالته إلهاً لبشرها.. تستجديه جِيْدَاً لأنينها.. لجاماً لجنونها.. فكان غاية المتخيل.. اقتربتْ من عرشه، ولاها وجهه كله.. توسلته غيمة، صافحها بالمطر أعذبه.. احتوته شتلتها زلالاً، احتواها ثماراً يانعة.. فوقعت في أحضانه قرباناً لتراب جذوره، فرفع هامتها بقبلة ما بين الجبين.
في العام الثاني: حيث الزمن ينبتُ في خصوبته بذور السأم بسهولة.. حيث يوهم الأشجار البسيطة بالسراب اللامع تحت الوهج.. صورته ملاكاً إلى جانب ملاكها.. ضوؤه كضوئها.. سحره كسحرها.. غيماته كغيماتها.
في العام الثالث: حين صار الإحساس بسمك غشاء هلامي جاف والزلزال قادم إليه.. حولته عبداً لإلهها.. أسكنته سُحْقِ جهنم.. يشحذها برداً وسلاماً.. أماتت ذاتها أمامه، وأماتته أمامها.
وعلى رصيف اهتراء المساحة ما بين حرفِ ذاته وبين حرف نصه.. بألفاظ أمست بالية في زمن الظل.. رأيته ينشج في الهواء الافتراضي: (يا امرأة الحُسن: ليتك عشتِ مع نصي بالشكل الذي يشكل لك استلاباً يغادر بروحك إلى شطآن دهشاته الكمالية.. فاصلة من فواصل التشابك ما بين روحك المعنوية المسحورة بطقوس الإغواء وبين روحه المقيمة فيه.. لا مجرد مصيدة، تسجنني كذات ضحية من ضحايا خيالك المجنون، فتعبري بي، بلا هوادة، إلى الأغوار النفسية السحيقة... يا امرأة الجمال: كلنا زجاج رهيف).
تسمع نداءاته تتطاير والأثير الطاغي.. لكنها لم تعد تفرق بينها وبين نداءات المخصيين.
وفي العام الرابع: حيّتْ الانترنت مجدداً حياها كما في العام الأول.. نزف عليها ذكوره.. فتلمستْ حروف (التالي)منهم، حرفاُ حرفاُ.. حروفه التي خالتها تستلبُ ذعر دهشتها.. التي تصورتها تتنسكُ بإحساسها وخيالها في دير فؤادها المكلوم.. بل وَمُعَتِّقَة لخمرة للبها المخذول.. فراحت تجودها أنفاسها بمجمل النوتات.. وبأصابعها الرشيقة تعبَّرَ إليها علامة إعجاب مغالية في الإيقاع.. وتطيَّر إليها من معطف عاطفتها قوسين، فيما بينها، رؤية تفوق عنفوان تصورها، بل تفوق جماح تصور الآخرين..
وهكذا هوساً غدتْ تصنع الطقوس مع كتبه ومنشوراته.. بينها وبينها.. بينها وووو......... !!!

1/3/1433هـ

هناك 9 تعليقات:

  1. لو كان حبًا ما أحسست به ما كان هناك إلا عام واحد فالحب يصنع فينا الآلهة لكنه لا يميتها

    عبد الجليل الحافظ

    -----------

    الأستاذ القاص أباعلي ، الحب نعم غريب لايموت، طفل مهما كبر ، مهما تكاثرت عليه الأعوام.. هذا إن كان موجوداً .

    عبدالله النصر

    ردحذف
  2. أنثى النص تعيش صراعا واضحا !! أهو الهوس كما أشرتَ أم حالة أخرى ؟ فقط لدي تساؤل بسيط : ألا يعتبر توصيفها بالمهووسة في قفلة النص تدخلا من الكاتب ؟؟ وكان من المفترض أن يفرز وعي القارئ هذا التوصيف أو غيره حسب رؤية القارئ وتلقّيه ؟؟ ودمتَ معطاءً كما عهدناك

    Zahra Ahmad


    -------------



    مرحباً بالقاصة زهراء، لقراءتك الواعية كل الامتنان.. أما بشأن سؤالك : فأنا ككاتب لم أتدخل بهذه اللفظة في النص، لا تعتبر تدخلاً ، وإلا يكون حتى قولنا (ضربة بقوة) أو ( فقر مدقع) يعتبر توصيفاً بحاجة إلى أن يلقى فيستعاض بكيفة الضرب القوي أو إظهار شكل الفقر وهو مقدقع بدلاً من قول لفظة تغني عن كل ماهو مطلوب للاختصار والتكثيف.. فالتدخل هو حكم وفلسفة زائدة لا تقال على لسان شخوص القصة أو حركة لا تجري عليهم.. أما الألفاظ الوصفية فلابد منها إذ أن القص مجمله توصيفاً للحالة بكل ماهي عليه... تخياتي

    عبدالله النصر

    ردحذف
  3. تصحيح:
    الحكم والفلسفة الزائدة التي لا تقال على لسان شخوص القصة أو لا تجري علي حركاتهم هي التدخل.. أما الألفاظ الوصفية فلابد منها إذ أن القص مجمله توصيفاً للحالة بكل ماهي عليه...


    عبدالله النصر

    تخياتي

    ردحذف
  4. (كلنا زجاج رهيف)..هوس الديانه مستمر ما دام التفاح في الاسواق......
    ابدعت ا. عبدالله ..وعي باختلاجات الانثى جعل النص من قلم ذكوري ينبض بالجمال ليتحدى ان مابين الحروف.شئ من العالم الاخر يصل الى حد السحر..عندما تنتصر الخيالات المخمليه..وتقع اسيرة..الامل حتى لو كان من بسمك غشاء هلامي جافومهما دام التفتيش بين الحروف يبقى بردا وسلاما.....

    ياسر الشايب

    ---------

    عزيزي الأستاذ ياسر، لك رؤية مع النص سابقة إلى الدهشة.. زادتني فخراً بحضورك والإشارة إليك.. لايهم إن كان التفاح يعرض في الأسواق، مايهم أن يكون التفاح سليماً معافى ليؤكل ويؤتي منشوده.. وسلمك الله من هو هذه الديانات :)

    عبدالله النصر

    ردحذف
  5. يا الله! لغة قوية ووصف مغرق في الشاعرية.. كم أحب النصوص التي تجعلني أُعيد قراءتها.. مبدع دائمًا أستاذ عبدالله.


    إيمان الحمد

    -------------

    تتراقص البهجة في في جنتها إيمان حين كانت لهذه الحروف دهشة وإعجاباً ينبع من داخلك .. ممتن كثيراً لحضورك

    عبدالله النصر

    ردحذف
  6. رابط نشر القصة في مواقع أخرى:

    http://www.thakafamag.com/​index.php?option=com_conten​t&view=article&id=2995%3A2​012-01-27-00-48-56&catid=7​%3A2010-05-31-17-35-45&Ite​mid=


    -------------------------


    http://www.seeeen.net/texts-0-1871.html

    ردحذف
  7. مقالة جيدة
    بارك الله فيك

    ردحذف
  8. أشكرك على هذا الطرح المميز..بالتوفيق ان شاء الله

    ردحذف